كتابات وآراء


11 أكتوبر, 2015 01:09:00 ص

كُتب بواسطة : عبد السلام بن عاطف جابر - ارشيف الكاتب


في كل الصراعات العالمية نجد العمل الدبلوماسي في حالة طردية مع حجم الصراع وأهميته عالمياً ، ولكن في الحرب اليمنية الجارية لم يكن العمل الدبلوماسي بالحجم الذي يستحق الذكر ، أو هذا ما ظهر للناس ؛ لأننا لم نرى المحللين يولونه ما يستحقه من الدراسة والبحث ، مقارنة باهتمامهم بالجانب العسكري  . 

 

فهل الحرب اليمنية ليست مهمة عالمياً حتى يكون العمل الدبلوماسي بهذا الفتور..؟

في رأيي أن الصراع في اليمن من أهم الصراعات في العالم ، إن لم يكن أهمها ؛ وأنت أيُّها القارئ ؛ لو وضعت الآن قائمة بكل نتائج القتال ستكتشف أن من بين النتائج ما يؤثر على الغرب ، وبينها ما تؤثر على الشرق والغرب ، وأخرى تؤثر على الشرق الأوسط .......... إلخ .. بمعنى آخر ؛ أي صراع في اليمن نتائجه السلبية مفتوحة على العالم كله .

 

وهذا يجعلنا نعتقد أن عملاً دبلوماسياً خفياً حدث قبل الحرب واثناءها ومازال يحدث ؛ يقوم به شخصيات تتبوأ مواقع عليا في دول التحالف وخصوصاً السعودية ؛ وهي التي أدارت المعركة وضبطت إيقاعها الدبلوماسي والعسكري . . . وهذا العمل الدبلوماسي الخفي هو الذي قضى "بعدم الوقوف أمام الرؤية السعودية" ، ومنحها -أو انتزعت- صلاحيات مطلقة برسم الخريطة الجيوسياسية لليمن بالشكل الذي يخدم مصالحها ، ويضمن أمن واستقرار المنطقة ،

 

وبلوغ هذا الهدف السعودي يستلزم عملية نقل اليمن نقلة كاملة من وضع متهالك إلى وضع يسير نحو المستقبل ؛ وملامح هذا النقل تبدأ بيمن متصالح مع نفسه ومع من حوله ، وتحويله من بؤرة لإقلاق المنطقة إلى مشارك في بناء أمنها واستقرارها . وإخراجه من عصور الجهالة التي فرضتها عليه نخبه القائدة منذ عقود إلى حالة من العلم والتنوير. وتحويله من "عالة" يعيش على المعونات إلى موقع بناء الإمكانيات الذاتية .

 

وهذا الانتقال ليس بالأمر اليسير ؛ فالوضع اليمني صعب جداً ؛ ومشاكله متداخلة ، تمتد جذورها التاريخية إلى مئات السنين . ووضع بهذا الشكل من التعقيد يمنع أي دولة من التدخل فيه ، وهذا ما يجب على اليمنيين استيعابه استيعاب كامل ، سواءً في الجنوب أو الشمال .

 

ويُلزم النخب السياسية أن تجعل دورها إيجابي ؛ بدايةً بالاعتراف أنَّها لم تعد صاحب القرار في رسم مستقبل البلاد ، فهي من أوصلها إلى حافة الهاوية  ؛ وبعد ذلك مساعدة السعودية في مساعيها ، خصوصاً أنَّها -السعودية- اليوم حصلت عملياً على تفويض شعبي يمني . 

 

فالشعب ينظر للتدخل السعودي بأنه مشيئة إلاهية أنقذت اليمن بالملك سلمان ، وقد يكون المنقذ لدول عربية أخرى ؛ فكما قلت سلفاً "تعقيد الحالة اليمنية يجعل كل دول العالم تنفر من التدخل فيه" ؛ لكنَّه -الملك- تدخل لأنَّه قائد استثنائي في المنطقة ؛ لايبني مصالح بلاده القطرية على تعاسة دول أخرى .

 

فمن ذا الذي يجرؤ على أتخاذ قرار التدخل العسكري في دولة مثل اليمن وخلفها إيران...؟ وفي وقت لم يمضي على تسلمه الحكم غير أسبوع...؟ لا يجرؤا أحد إلَّا زعيم استثنائي .

 

قد يقول بعض المحللين المطَّلعين أن السعودية كانت قد خططت واستعدت لردة فعل عسكرية إذا تحرك حلفاء إيران في اليمن عسكرياً لفرض أمر واقع...؟ .. وهذا قول منطقي ؛ ولكن شتان بين الاستعداد للقتال واتخاذ قرار القتال ، هناك بون شاسع بين الاثنين ، اتخاذ قرار القتال أصعب قرار على أي قائد في العالم . . .

 

ويؤكد هذا الوصف -زعيم استثنائي- أنَّه لم يقف عند حدود التدخل في اليمن ، بل أندفع إلى تأسيس العمل العربي المشترك بتشكيل التحالف . فنقل العرب من موقع المراقب إلى موقع صانع الحدث . . . وتمكن كذلك من نقل السلطات الخليجية الحاكمة  من حالة المهادنة إلى حالة القدرة على المبادئة السياسية والعسكرية للدفاع عن أمنها القومي ومصالح شعوبها ..... ونقل الشعوب الخليجية من حالة السكون إلى حالة من الديناميكية إيجابية التأثير .

 

ولا أجد عنوان يشمل كل هذه المعاني وحجم التغيير إلَّا أن أذكِّر وأؤكد على وصف ذكرته في لحظة تلقائية عبر قناة تلفزيونية بداية هذه الحرب "سلمان معتصم العصر الحديث" ؛ ومعتصمنا خلال وقت وجيز غيَّر العرب وغيَّر المنطقة ، ونقلها نقلةً لم تحدث منذ عهد محمد علي باشا ، وسوف يكون ما فعله مجال دراسات استراتيجية لعقود لاحقة .

 

اتمنى على الجنوبيين أن يعرفوا الواقع على حقيقته ، ويفهموا ماحدث وتداعياته ، فهماً صحيحاً ، ويعرفوا الطريق الذي يجب عليهم السير فيه ، بحيث تصبح كل تداعيات ماحدث وما سيحدث جزء من القوة الجنوبية الإيجابية ، وتجعل الانتقال الجنوبي من حالة ضياع الدولة وضياع الفكر السياسي والاقتصادي للجنوب انتقال سهل وسلس ويخرج الجنوب  إلى بر الأمان ، اتمنى ذلك وأدعوا الله أن يتم .