كتابات وآراء


22 سبتمبر, 2014 04:00:00 م

كُتب بواسطة : عبد السلام بن عاطف جابر - ارشيف الكاتب


 
لا تنجح ثورة أو دولة بفكر منتهي الصلاحية ,"رحمَّ الله أخي نزار ظلمه الناس , ظنوا فيه ماليس فيه ؛ أسموه شاعر النساء لكثرة ماكتب لهنَّ , والحقيقة أنَّه لم يفعل شيء مما كتبه , وقد تكون الحقيقة أنَّه كتب وأنا الذي فعلت ماكتبه" هكذا قال الأخ الأصغر لنزار قباني في تأبين أخيه .
 
 وهذه سنة من سنن الحياة , تحدث في الواقع والكثير عايشها .
البعض يفعلون أفعالاً عظيمة ويدفعون حياتهم ثمناً لها , والآخرون ينسبون الافعال لأنفسهم.
كثيرةٌ هي الأفكار والخطط , التي يُبدعها ذوو العقول ويسعون بين الناس للترويج لها بهدف إقناعهم , لكنَّ الناس ترفضها  ؛ والرفض أيضاً سنة من سنن الحياة ؛ فكل شيءٍ جديد مرفوض .
 
 ومع مرور الوقت تفرض المتغيرات على الناس أوضاعاً جديدة  -كان ذو العقل قد أدرك مؤشراتها قبل أن تحدث-  فيكتشفون حاجتهم لتلك الفكرة أو الخطة التي رفضوها سابقاً ,  لكنَّ المؤسف أن الناس تدرك ذلك بعد فوات الأوان , أو تدركه ولم يعد أمامها من الوقت مايكفي لتستفيد من مزايا الفكرة , بمعنى آخر انتهى زمانها أو أوشك على الانتهاء .
 
 
وفي كلا الحالتين (حالة إدراك صواب الفكرة في الوقت المناسب أو في غير الوقت المناسب) تدخل الفكرة منعطف جديد للفشل ؛ حيث ينبري لها أحد صائدي الفرص  -أو أكثر من واحد-  فيتبناها , ويقدِّمها للناس على أنَّها من بنات أفكاره , ويشرع في تنفيذها فيفشل , لأنَّه غير مُلِم بكل أركانها , وغير مستوعب للمقاصد من وراء كل فصل من فصولها . . . ولو أنَّه اتصل بذي العقل الذي وضعها , واشتركا في تنفيذها لنجحت وحققت أهدافها كاملة , فصاحب الفكرة قادر على تطويرها إذا كانت صلاحيتها على وشك الانتهاء وكانت قابلة للتطوير .
 
 وإذا كانت صلاحيتها قد انتهت فيستطيع أن يضع أفكار جديدة بديلة . . . لكنَّ الصيَّاد لن يتصل به  لأنَّ أغلب صائدي الفرص مصابون بمرض "الأنا" . . .
والمجتمعات التي يكثر فيها صائدو الفرص , تتآكل من خلها , لأنَّها سمحت لهؤلاء المتسلقين عُبَّاد الشهرة والمنصَّات التلاعب بها ؛ فهؤلاء لايتركون طريقاً إلَّا سلكوه واستوطنوه وفرضوا على كل من يسير فيه شروطهم . . . والعجيب في أمر هذه المجتمعات أنَّها لا تحاسب الصيَّاد عندما ينسب الفكرة لنفسه , ولا تحاسبه عندما يفشل ويعجز عن تنفيذها , بل تقفز لمحاسبة ذا العقل الذي وضع الفكرة وسرقوها منه , تنسب إليه الخطأ , وتسمه بالجهل , بل ويتوعده البعض بتهمة الخيانة والعمالة إذا عاد بخطة جديدة أو مشروع آخر .
والمنعطف الأخير للفشل يكون بالانشغال بالدفاع الذاتي  -وهو كذلك مرض نفسي- ؛ فالبعض سيتهم ذوي العقول بالفشل وينسب إليهم  الخلل , لأنهم لم يحسنوا توقيت طرح أفكارهم , فهم يعتمدون على اختيار التوقيت الذي يحقق أعلى درجات الفائدة من مقاصد خططهم , بينما الأجدى اختيار التوقيت الذي تكون الناس فيه مهيأة لقبول الفكرة .
 
والبعض سيتهم عُبَّاد الشهرة بأنهم مصدر الخلل ومعول الهدم والفشل , لأنَّهم لم يقوموا بعملية الموائمة بين مصالحهم الشخصية ومصالح المجتمع . . .
أمَّأ ذوو العقول فينسبون الفشل ومصدر الخلل إلى ثقافة المجتمع بصفتها البيئة الحاضنة لعوامل نجاح الأفكار أو فشلها  , وأنَّ الخلل يكمن في فقدان المجتمع للتركيز , كأنَّه في رأسه "دماغ ذبابة"  فالعلماء يقولون أنَّ الذباب يملك أسرع جهاز هضمي في العالم ودماغ لايتذكر شيء ”يعني سريع النسيان" .
 
ولأنَّها كذلك فهي تنسى المتسببين بحالات الفشل الماضية , وتنسى كذلك الطرق التي سلكوها وخلقوا معها عوامل الخلل , ونتيجة لذلك لايمكن مواجهة المتسبب بالخلل , لأنَّه يستطيع اقناع الناس أنَّه من عوامل النجاح معتمداً على ذاكرة الذبابة .
وحتى لو عرفنا عوامل الخلل وعرفنا مصدرها  ؛ فلن نستطيع علاجها , لأنَّنا لن نقوم بتصحيح الخلل ومعاقبة مصدره , بل سنسعى إلى اقناع مصدر الخلل بعيوبه حتى يسمح لنا إصلاح الخلل...!  ولن يقتنع في الوقت المناسب , فهو سيماطل ويتلاعب بالوقت حتى يصل الجميع إلى الوقت الذي يعجزون فيه عن علاج الخلل الذي تسبب به
 
 
وفي كل جولة فشل تنسحب مجموعة من ذوي العقول , ويتساقط معهم مجاميع من الشباب المتحمس الصادق في مشاريع أخرى , يجد فيها مجالاً واسعاً لتفريق طاقاته الثورية , حتى لو كانت خطيرة على المجتمع . . . ويبقى لصوص الأفكار عُبَّاد الشهرة مسيطرين على قرار المجتمع , ويلعبون بمقدراته , مغيرين جلدهم كلما اقتضت الحاجة لذلك , فلا يوجد ما يخيفهم أو يمنعهم تكرار سفالتهم السياسية , فكما تقول العرب [من أمن العقوبة أساء الأدب]. . . وبذلك يستمر المجتمع في الدوران في نفس المكان , ولن يصل إلى نقطة ارتكاز , ينطلق منها من جديد نحو تحقيق أهدافه التي من أجلها يناضل
 
 
وختاماً ؛ أسأل هذا السؤال : إذا قلت لكم أن مشروع جمع المكونات الجنوبية تم وضعه  قبل أن تشكل كل المكونات , وكان عبارة عن مشروع مرافق لتأسيس المجلس الوطني الأعلى في 2008 , وكان المشروع باسم "منظمة التحرير الجنوبية" كنسخة مطابقة لمنظمة التحرير الفلسطينية , وكان المشروع نتاج استقراء للمستقبل وتوقع بتشكيل مكونات لاحصر لها , وفي 2009  تم طرح المشروع  ورفضته القيادات ومعهم البيض (كان قد خرج من غيبته الكبرى) , وفرضوا علينا "الدمج في زنجبار"  . . . فهل تصدقون...؟  .. وإذا قلت لكم أن جبهة الانقاذ الوطني هي مشروع تم وضعه في 2010 والعميد طماح والاستاذ علي الغريب وغيرهما كثير يعلمون بذلك , فهل تصدقون...؟
 
 
لا يهم أن يصدقني أحد , المهم أنَّ تتذكروا أنَّها خطط قديمة , والأهم من المهم أنَّ تعلموا أنَّها كانت خطط ناجحة في ذلك الزمان , أمَّا اليوم فهي فاشلة , ولن تنجح جبهة علي البيض , ولامجلس انقاذ بن علي أحمد , والأيام كشَّافة .