أخبار الإقليم

10 سبتمبر, 2015 12:55:22 م



أقليم عدن/خاص:

بالنسبة لكثيرين من سكان مدينة عدن فإن تناول الشاي المعد بالطريقة العدنية التقليدية في أحد المقاهي الشعبية التي تمتلئ بها المدينة يعد من الأمور الأساسية التي لا يقدرون على تجاهلها أثناء إعدادهم أجندتهم اليومية. هكذا يقول ياسر علي سكران، المالك الجديد لمقهى "سكران"، الذي يعد واحدا من أقدم وأشهر المقاهي الشعبية في عدن، خصوصا أن تاريخ تأسيسه يعود إلى عام 1910 على يد المؤسس المرحوم محمد عبدالله سكران، ليتوارثه أبناؤه وأحفاده جيلا بعد جيل، ما جعله واحدا من ضمن قائمة طويلة من الأماكن التي يحرص الزائر للمدينة على زيارتها.

وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن مدينة عدن عرفت مقاهي الشاي إبان السيطرة البريطانية عليها، بعد أن تأسس المقهى الأوروبي عام 1870.

معلم بارز

ويعد مقهى سكران الذائع الصيت قبلة للنشطاء والسياسيين وقادة الحركات الثورية في قلب مدينة كريتر التاريخية، قرب مسجد الشيخ عبدالله، الذي يعد هو الآخر من أشهر مساجد المدينة. وعلى مسافة ليست بعيدة عن مبنى المتحف الحربي الذي دمرت الميليشيات الحوثية أجزاء منه.

ويقول المالك الجديد للمقهى إنه يعمل فيه منذ أكثر من 30 عاما، بعد أن ورثه وإخوته عن والده، وإن المقهى القديم ما زال يحتفظ ببساطته، وربما هذا هو السبب في أنه لا يزال يجذب المئات يوميا من الزوار والمارة الذين يحرصون على تناول أصناف الشاي العدني التي يتم إعدادها، ومنها الشاي "العيدروسي" وبعض المشروبات الباردة مثل "التريب، وقصب السكر، إضافة إلى تناول بعض الوجبات الشعبية والخفيفة التي يتميز بها المطبخ العدني.

وأضاف في حديثه إلى "الوطن" أن المقهى وطوال سنواته ومنذ أكثر من 100 عام كان شاهدا على كثير من التحولات والأحداث السياسية والعسكرية التي شهدتها المدينة، بدءا من الاستقلال عن بريطانيا، ومرورا بالصراعات والانقلابات التي كانت قد عاشتها البلاد، وحتى حرب 94 التي شنها المخلوع ضد الجنوب، والتي تجددت الآن على أيدي الميليشيات الحوثية. مشيرا بيديه إلى مذياع قديم جدا هو الآن متوقف عن العمل، قال إنه لطالما كان الناس تجتمع حوله للاستماع لأغاني أم كلثوم في فترات الصباح والمساء، وكذلك للاستماع للأخبار.

دور وطني


من جانبه، يقول الباحث التاريخي الدكتور أحمد السليماني إن المقهى كغيره من مقاهي عدن الشعبية أسهم بفاعلية في رسم ملامح وإنجاح الثورة التي شهدها جنوب اليمن ضد الاحتلال الإنجليزي، والتي توجت بالاستقلال، وذلك حينما احتضنت جدرانه المتهالكة كثيرا من اللقاءات والاجتماعات السرية لقادة المقاومة الوطنية في زمن الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني للجنوب. مؤكدا أن المقهى كان ولا يزال قبلة لكثير من الشخصيات السياسية، والثورية، والشعراء، ورواد الأدب، والصحفيين، وأعضاء مجلس النواب، وأيضا الفنانين أمثال الفنان العدني الراحل، محمد سعد عبدالله، وزميله محمد مرشد ناجي، ومن كل فئات المجتمع، حيث باتت المقاهي الشعبية في عدن بمثابة ناد تلتقي فيه كل الثقافات والأفكار والآراء، والتوجهات السياسية المختلفة.

أما الشاب ناصر اليافعي فيقول إنه رغم انتشار وسائل التكنولوجيا الحديثة إلا أنه غالبا ما يذهب إلى المقهى للبحث عن رواد الثقافة والأدباء والفنانين الذين يستمرون في التوافد عليه بشكل شبه يومي، كي يستمع إلى أحاديثهم الشيقة عن عدن وتاريخها، وتاريخ المدنية الذي تعرض لكثير من الطمس والتشويه، منذ ما بعد حرب 94 على أيدي نظام المخلوع صالح.

نظرة ضيقة

بدورها، تقول الناشطة أروى الحضرمي إنها تقضي بعض الوقت الجميل مع كبار السن في الحديث إليهم، مضيفة أنها غالبا ما تذهب للاستماع للنصائح منهم إذا ما واجهتها أي مشكلة فهم يعاملونها كابنة لهم. لكن مؤخرا بدأ المقهى ورواده يتعرضون لمضايقات من قبل بعض الجماعات المتشددة التي ترفض فكرة أن يستمر المقهى في السماح للنساء والفتيات بالقدوم إليه والجلوس على طاولاته. ويقول العاملون في المقهى إنهم يتعرضون بين الحين والآخر للتهديد من المتشددين. وأدت تلك المضايقات مرات عدة إلى حدوث مشاجرات بين المتشددين ورواد المقهى وسكان المنطقة الذين رأوا في تلك المضايقات محاولة لفرض نظرتهم المتشددة وتغيير التسامح والتنوع الذي عرفت به عدن.

(الوطن)