أخبار الإقليم

01 أبريل, 2015 07:46:22 ص

إقليم عدن/ سعيد الأبيض:


قبل نحو عقد من الزمان، وتحديدا في عام 2003 إبان الحرب الخليجية الثالثة، ظهر على السطح رجل من جلباب الخداع وتزييف الحقائق، لا يمتلك معلومات على أرض الواقع، لكنه يعرف الشتم والسب.. يسأله المراسل «لقد دكت قواعدكم»، فتتحدر إجابته العنترية الغليظة والتي لا تسمن ولا تحمي أجواءه من الطائرات والصواريخ «سنقتل أولئك العلوج.. سندمر الإمبريالية».


 


محمد سعيد الصحاف، وزير إعلام صدام حسين والناطق الحربي باسمه، ظهر في تلك الحقبة وهو يتحدى ويتوعد من خلال مؤتمراته التي عقدت في أحد الفنادق في العراق، وكان يعلن فيها انتصارات القوات العراقية المتتالية، بينما كانت القوات البرية الأجنبية تتقدم بشكل سريع واستولت على مطار بغداد، وهو لا يكف عن ترديد «سنقاتل العلوج». وفي آخر مؤتمر له يوم سقوط بغداد تحدث ودوي الانفجارات بالقرب منه، إلا أنه ما زال يكذب ويقول «الأميركان ينتحرون الآن بالآلاف على أطراف بغداد».


 


الثقة المفرطة، الممزوجة بالتحريف، جعلت من الصحاف هدفا إعلاميا، فهو كالمد في البلاغة، وكالجزر في المعلومات الدقيقة، إذ يعد هامشا لتعبئة المساحات الفارغة على الورق والدقائق في ساعات البث.. لا يعرف عن المعارك ومؤتمراتها سوى «سندمرهم.. وأسقطنا.. وقتلنا».. لا توجد أرقام أو إحصائيات، وحديث واضح.


 


ويبدو أن العالم العربي موعود بمثل هذه الحالات التي تلوي الحقائق وتسب وتزيف الوقائع، رغم ما يقوم به الفصيل الذي تنتمي إليه من قمع لمعارضيه في الداخل، إضافة إلى المناوشات العسكرية مع دول الجوار. والمشهد ذاته لعام 1990 يتكرر اليوم بنفس المعطيات مع اختلاف الزمان والمكان، إلا أن المحتوى والمضمون في التصريحات، مع كل ما قام به الفصيل الحوثي من قتل وتشريد، لا يخلو من العنترية والقذف والشتم.


 


ظل محمد البخيتي، عضو المجلس السياسي لجماعة «أنصار الله» (الحوثيين)، والمتحدث باسمها، الصورة المستوحاة بكل تفاصيلها من الأصل «الصحاف».. فهو وعلى مدار الأعوام الثلاثة الماضية يقلب الحقائق عبر وسائل الإعلام التي تستضيفه. فهو تارة يصف استخدام القوة في اقتحام المدن بأنه رد فعل لما كان من الطرف الآخر الذي كان يدافع عن الشرعية بالاحتجاج السلمي، وتارة يصف اقتحام صنعاء بالتحرير، ووضع الرئيس الشرعي تحت الإقامة الجبرية بأنه إجراء قانوني، وزحفهم على باقي المدن بكسر الطغيان.


 


مئات القتلى، والاستيلاء على مؤسسات الدولة، ويظهر صحاف العصر (البخيتي) ليؤكد أن أنصارهم لم يستخدموا السلاح في مواجهة الشعب اليمني، ومن سقطوا من أبناء الشعب اليمني كانوا نتيجة حتمية لمواجهة هؤلاء الخارجين عن القانون والتابعين لأجندات خارجية، على حد وصفه، حيث يسعى «أنصار الله» لتحرير البلاد، وتلك المؤسسات يعمل فريقه على تطهيرها من أيدي السارقين، هي المعادلة التي يعرفها هذا الفصيل (الحوثيون)، الذين ظنوا لفترة أنهم قادرون على فرض إرادتهم على الشعب اليمني بالقوة بمساندة مباشرة من إيران والتحالف مع صالح لأسباب سياسية.


 


وعندما تتابع حوارات البخيتي عبر وسائل الإعلام العربية تدرك منذ الوهلة الأولى أنك أمام شخص لديه القدرة على الالتفاف حول الحقائق والتشعب في مواضيع ليست لها صلة بما طرح للنقاش، إضافة للاتهامات المباشرة لدول الجوار بتأجيج الوضع وأنها السبب في ما عليه اليمن من عدم استقرار، ناهيك عن البلطجة في كلماته والتهديد لدول تسعى لاستقرار اليمن وإعادة الشرعية، مع إنكار عمليات الدعم المالي وبالأسلحة من قبل إيران، والذي رصد من كل الجهات المعنية في دول الجوار وعبر الأقمار الصناعية. وقال هاني الغامدي، المحلل النفسي والمتخصص في الدراسات المجتمعية، إنه في حالة الحروب أو المناطق التي تعاني صراعات داخلية يخرج مثل محمد البخيتي لتعزيز فكرة ما، وذلك كي يأخذ المتلقي هذه الفكرة من المتحدث، لأنه يمثل البوق الأساسي لما هو عليه الحراك سواء كان سياسيا أو حربيا، ويعد هو الواجهة لتغيير الوقائع.


 


واستند الغامدي في توصيف الحالة بالصحاف إلى أنه تم رسم صورة معينة للوضع العراقي قي ذلك الوقت عن طريق الصحاف، فبالتالي الصورة التي رسمت في أذهان المتلقي جعلت منه صورة نمطية معينة تخالف الواقع.. إلا أن إبداعه في إظهار ما يخالف الواقع للعامة وبصورة متكاملة يحسب لإمكانياته في القيام بمثل هذه الأدوار، لافتا إلى أنه ومن هذا المنطلق تستثمر مثل هذه الشخصيات في ما عليه الوضع لنقل صورة مغايرة.


 


وأكد المحلل النفسي أن مثل هذه الحالات لا تكون تحت ضغوط من قبل جهتها، إذ تحسن هذه الجماعات الاختيار لمن يكون متحدثا أو ناطقا لها على المستوى المحلي أو الدولي، من خلال ما يمتلكه من محتوى كلامي ولفظي، ويمتلك قدرة على توصيل المحتوى والتشعب بقواعد لغوية ينجذب معها المتلقي.


 


ولم يمض على هذه التصريحات سوى يومين حتى شددت ميليشيات الحوثيين مدعومة بقوات موالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الطوق على مدينة عدن الجنوبية التي كان يتحصن فيها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ودارت معارك بالأسلحة الثقيلة في محافظتي الضالع ولحج القريبتين من عدن، ليصاب المراقبون والإعلاميون للمرة المائة بالتضارب في التصريحات مع خروج الصحاف مرة أخرى ووصفه هذه العملية بأنها في إطار تصحيح الأوضاع.


 


ومع الساعات الأولى من انطلاق «عاصفة الحزم» ظهر على إحدى القنوات العربية وهو بحالة هستيرية، وهو يصرخ ويزمجر «هذا عدون.. سوف نرد»، وتارة دون النظر إلى شاشة التلفاز.. ويتبادر إلى ذهنك وأنت تستمع فقط لما يتلى شعور بأن المتحدث شيخ من كثرة عرضه الآيات القرآنية والمواعظ، ثم بدأ يشتم ويقذف، لدرجة أنه اتهم مذيع النشرة بأنه ماسوني بسبب طرحه أسئلة لا تتوافق مع ما يذهب إليه صحاف العصر.


 (الشرق الأوسط)