إقليم عدن - وكالات:
في كتابه "25 يوماً إلى عدن" الذي يصدر هذا الشهر بالإنكليزية والعربية، يروي الباحث مايكل نايتس القصة غير المروية بعد لشباب وشابات الإمارات الذين حاربوا جنباً إلى جنب مع رفاقهم اليمنيين، لتحرير عدن قبل عيد الفطر في تموز (يوليو) 2015.
ويستعيد نايتس، الزميل في معهد "واشنطن إنستيتيوت" والمتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران واليمن ودول الخليج، أول سيرة عسكرية للإمارات في تلك الحرب، بلسان جنودها وبحارتها وطياريها أنفسهم، في تجربة فريدة أتاحت له التعرف من كثب على تفكيرهم حيال الصراع.
استغرق عمله أكثر من 5 سنوات من البحث الدقيق والتحقق، بهدف فهم المعركة، وتحدث مع العديد من المشاركين للتعرف على الحوادث التي لم تصل إلى السجلات الرسمية، كما اطلع على سجلات متنوعة للعثور على حوادث طواها النسيان. وضمن الكتاب خرائط وتفاصيل عسكرية وصور من الميدان.
كانت تلك المعركة الأولى في حرب اليمن التي بدأت عندما طالبت الحكومة اليمنية بدعم دولي من مجلس الأمن وجامعة الدول العربية.
ويقول نايتس في مقالة كتبها في صحيفة "الناشونال" الإماراتية إن دول الخليج رسمت خطاً في الرمل لمنع القبائل الحوثية التي تدعمها إيران من السيطرة على الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، والتحكم بالخطوط الرئيسية للملاحة التي تربط نصفي الكرة الأرضية الشرقي والغربي عبر البحر الأحمر وقناة السويس.
وفي الأبام الأولى للحرب، هبّت الإمارات لمساعدة مقاتلي المقاومة اليمنية للدفاع عن عدن الساحلية، والتي كانت المرفأ الأكثر ازدهاراً في العالم قبل عقود.
ويقول نايتس: "لو استطاع الحوثيون السيطرة على عدن، لما كانوا غزوا ثانية كبرى المدن اليمنية فحسب (إضافة إلى سيطرتهم على العاصمة صنعاء)، بل كانوا أيضاً وضعوا نقطة اختناق بحرية تمر بها 20 في المئة من حركة النفط العالمية". وينقل عن جندي قوله إن حرب اليمن هي قصة قوات النخبة العربية تقاتل شبحاً من الجبال بالقرب من الممر البحري الأكثر أهمية في العالم.
وفي مقالته، يبرز نايتس أهمية المؤرخ العسكري "لأنه (أو لأنها) يبقي (أو تبقي) حياً ذكرى أولئك الذين ضحوا بحياتهم من أحل وطنهم ورفاقهم المحاربين". وفي الوقت نفسه يؤكد أن "التاريخ يجب أن يكون دقيقاً بأكثر قدر ممكن لأنه هديتنا للأجيال المقبلة، وهذا لا يعني فقط الاحتفال بالانتصارات والإنجازات، بل أيضاً مواجهة الحقائق القاسية واللحظات الحزينة، وتعلم الدروس التي يمكن أن تساعد أمة وجنودها وبحارتها وطياريها على مواجهة تحديات جديدة".
لذلك، استغرق "25 يوماً إلى عدن" أكثر من خمس سنوات، انكبّ خلالها نايتس على الأبحاث والكتابة والتحقق من المعلومات بدقة. فمن أجل فهم حقيقي وصحيح لمعركة، يرى أن "على الشخص التحدث إلى مشاركين كثر لتحديد الحوادث التي لم تصل قط إلى السجلات الرسمية، كما على المرء أن يطلع على السجلات لإيجاد الأشياء التي ينساها البشر. وبالقدر نفسه من الأهمية، يحتاج المؤرخ أيضاً إلى إجراء أقرب دراسة خريطة الميدان ثم النزول على الأرض. وهذا ما فعله في عدن".
ويقول: "بالنزول على الأرض فقط يمكن المرء فهم التضاريس الشاقة للأجزاء القديمة من عدن... وبالتحرك ذهاباً وإياباً على الجسر المؤدي إلى المطار، يمكن تقدير أهمية المدرعات الإماراتية في التغلب على قوة النيران الحوثية التي دافعت عن المطار".
ويقول نايتس إن تحرير عدن بدأ، إذ كانت المقاومة اليمنية على مسافة أيام من الهزيمة. وهنا التقى المقاتلون اليمنيون والقوات الخاصة الإماراتية الذين أدخلوا سراً إلى جيب دفاعي في عدن.
وهو يصف معركة عدن بأنها قصة هذه الشراكة بين اليمنيين والإماراتيين الذين صمدوا أولاً ثم عززوا دفاعاتهم بجنود قواتهم الخاصة ومدفعية القوات البرية، قبل أن يشنوا هجوماً مفاجئاً سحق الحوثيين وأخرجوهم من عدن وطاردوهم مئات الكيلومترات في كل الاتجاهات.
وأضاف: "عملت القوات البحرية والجوية والدفاع الجوي لدولة الإمارات على مدار الساعة وفي ظل ظروف مروعة لإبقاء خطوط الإمداد مفتوحة ومواصلة القصف الدقيق والثقيل على العدو. لقد كان جهداً جماعياً حقيقياً: فالأمة بأكملها ركزت على هدف واحد، مساعدة اليمنيين على تحرير عدن".
ولئن كان غير مألوف السماح لغرباء بالتحدث إلى العسكريين الإماراتيين حول خدمتهم، يؤكد نايتس أنه "أثناء البحث وصياغة هذا الكتاب، أمضيت مئات الساعات في المقابلات والعيش جنباً إلى جنب مع أفراد الجيش الإماراتي. وفي كثير من الحالات، جمعت قصصهم أثناء انتشارهم على جبهات القتال في اليمن، خلال زياراتي الخطوط الأمامية، وقد خصصوا أمسياتهم وأوقات فراغهم لإعادة سرد قصة عدن من وجهة نظرهم. وفي أوقات أخرى، قمت بزيارتهم مع عائلاتهم في الإمارات. يبدو أن إحياء الصراع يساعدهم على معالجة الأفكار والمشاعر التي دفنت منذ عام 2015، وآمل أن يستمروا في الحديث عن الحرب مع بعضهم البعض وعائلاتهم، إلى الحد الذي يسمح به الأمن".
ويبدو أن التجربة الفريدة لنايتس في لقاءاته مع الجنود الإماراتيين أتاحت له التعرف على تفكيرهم حيال الصراع. ويقول: "لا يبتهج رجال ونساء الإمارات العسكريون بالأعمال المدمرة للحرب. ومثل جميع المحاربين، هم معجبون بدقة وقوة الأسلحة الحديثة، لكنني وجدت مستوى خاصاً من الجدية والنضج في القوات الإماراتية التي كرهت حقاً الموت والبؤس بسبب الحرب. ومع ذلك، كانت القوات الإماراتية بلا شك جيدة أيضاً في الحرب الحديثة: فقد تدربت في صراعات حقيقية إلى جانب أفضل الجيوش الغربية، كما أن القوات الإماراتية تتمتع أيضاً بفهم أفضل للثقافة المحلية في اليمن وعلاقات ممتازة مع قوات المقاومة اليمنية".
"25 يوماً إلى عدن" هي قصة رجال ونساء إماراتيين خاضوا المعركة إلى جانب شركائهم اليمنيين. ويهدي نايتس الكتاب لخمسة جنود إماراتيين استشهدوا في الحرب، والكلمة الأخيرة في مقالته خصصها إلى أحد الشباب الاستثنائيين الذين قاتلوا (ونجا) في معركة عدن. ويقول: "عندما أجريت مقابلة معه، كان يتذكر سنوات من تجربته الحربية كجندي إماراتي يبلغ من العمر 27 عاماً مع تدريب جيد ويشارك في المعركة لأول مرة. قال لي: بعد هذه العملية، بعد حرب حقيقية، تغير تفكيري تماماً. لقد نشأت في هذا البلد، بمستويات معيشية جيدة وتعليم جيد، ثم أصبحت فجأة في منطقة حرب، بعيداً من أصدقائي وعائلتي، وأولادي. الوحدة تجعلك تقدر الحياة. رأيت الفقر والمعاناة في اليمن. لقد جعلني ذلك أكثر تقديراً لضرورة حماية وطننا".