أخبار الإقليم

30 أكتوبر, 2014 01:57:23 ص

أخبار الإقليم / ياسر باعامر:


عند دراسة السلوك السياسي الإيراني في مربع "التدخلات الإقليمية" في شؤون دول المنطقة، يمكن تقديم العديد من الدلالات السياسية الحيوية، لفهم ما يجري من تداعيات حكم الإعدام الذي أصدرته المحكمة الابتدائية الجزائية بحق "نمر النمر"، على خلفية اتهامات وجهها له الادعاء العام، والاعترافات المصدقة عليه، أهمها عدم اعترافه بشرعية نظام الحكم السعودي.
البيئة الإيرانية الأمنية المعروفة بحدتها في التعامل مع معارضيها في الداخل والخارج، ضمن سياق "التصفية الجسدية" – الاغتيالات السياسية - ليس فقط مع المعارضة السنية بل يمتد إلى المعارضة الشيعية، وهو الأمر الذي فضلت "الوطن" عدم التركيز عليه كثيراً، للمعالجات الإخبارية التي أشبعت هذا الجانب كثيراً من التفاصيل السياسية والأمنية التي مارستها وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيراني (SAVAMA)، وسلسلة الاغتيالات التي طالت العديد من الكتاب والمثقفين المعارضين، بما في ذلك اغتيال المعارضين السياسيين الإيرانيين داخل وخارج البلاد، هذا إلى جانب المحاكم التي أقل ما يوصف عنها بأنها "صورية بامتياز"، ولا ترقى إلى أبسط الحدود العدلية المقدمة للمتهمين، هذا ناهيك عن الدلالات الرمزية للقضايا التي تقدم على عتبة المحاكم الإيرانية، خاصة مع انتصار ما يسمى بـ"الثورة الإسلامية" على يد الإمام الخميني في عام 1979.
تصدير الأزمات
"تصدير الأزمات الداخلية"، بمثابة العنوان الأهم في تفاصيل تداعيات قضية "نمر النمر"، وهذا ما يذهب إليه الباحث السعودي المتخصص في الشؤون الإيرانية الدكتور محمد السلمي، الذي وضع على طاولة "الوطن" محددات ترتبط بجوهر الموضوع العام من التدخل الإيراني، والحملة الشعواء التي تشنها الأجهزة الإعلامية الإيرانية أو خيوط الأجهزة التابعة لها في المنطقة تحت وصاية قنوات وإذاعات حزب الله اللبناني وجماعة أنصار الله الحوثية في اليمن السعيد.
يقول السلمي في سياق تحليله السياسي: "إن الرؤية العامة لذلك الهروب الذي تمارسه القيادة الإيرانية من الاستحقاقات الداخلية، عبر تصدير أزماتها للخارج، محاولة منها لتشويه رؤية قطاع واسع من الرأي العام الإيراني من الممارسات والضغوطات في الداخل الإيراني، خاصة ما يرتبط بشقها الاقتصادي والسياسي والحقوقي، وما يتبع ذلك من محاولة إخفاء صراع التيارات السياسية الإيرانية".


قيادات الصف الثاني
وأعطى الباحث في الشؤون الإيرانية الدكتور السلمي، مدلولات سياسية لفهم طبيعة تدخلات عدد من الساسة الإيرانيين في القضية المثارة حول نمر النمر، منها أن غالبية المتدخلين، يعتبرون في الهرمية السياسية ضمن ما يشار بقيادات "الصف الثاني"، وهو أمر غاية في الأهمية وغالباً لا تقوم بتلك التصريحات التي تتسم بـ"الغوغائية السياسية" قيادات الصف الأول كحالة من الترتيب الاستراتيجي السياسي، ومحاولة من القيادات السياسية الإيرانية، لتسجيل حضورها السياسي داخلياًّ وإقليمياًّ ودولياًّ، لا أكثر من باب "الشحن الطائفي والمذهبي"، من نافذة قضية "النمر" القابلة للاستئناف قضائياًّ وهو ما يحسب لصالح الجهاز العدلي السعودي.
حينما يتم ذكر صف القيادات السياسية الثاني، يجب عدم حصر ذلك في اتجاه الحكومة الرسمية ورئيسها حسن روحاني، إضافة إلى التيارات السياسية السيادية المربوطة بالدوائر الضيقة بالمرجع الأعلى السيد علي الخامئني أو الوكالات التي تتبع الجهاز الاستخباراتي أو الحرس الثوري الإيرانيين، ويمكن تشبيه المهمة السياسية لهؤلاء في بعض الأحيان الخروج العلني والمبهم وربما المخالف لطبيعة ما تدعوه حكومة روحاني من روابط حسن الجوار مع الإقليم المتوتر، بهدف توتير الأمور السياسية والخروج عن السياق العام، الذي يبدو للمتابع من الوهلة الأولى بأنه "نشاز سياسي"، ليكتشف أن ذلك لا يربو على أنه جزء من خارطة اللعبة السياسية التي تمارسه الدوائر الضيقة في طهران، في محاولة جادة منها لخلط الأوراق داخلياًّ وإقليمياًّ وربما إقليمياًّ أيضاً.
الأوراق المحروقة
مصطلح "الأوراق المحروقة" يؤمن بها الساسة الإيرانيون – كما يقول السلمي - وهي الإجابة التي أوردها رداً على سؤال "الوطن" وهي ماذا لو تم إقرار الحكم على "نمر النمر" وتصديقه وتنفيذه؟ فما هي الاحتمالات أو السيناريوهات المفتوحة التي ستتعامل بها طهران مع الموقف؟.
إجابة الباحث في الشؤون الإيرانية، ربما جاءت مختصرة، إلا أنها تحمل تداعيات مهمة وهي أن "ملالي إيران يؤمنون أيضاً بالتخلي عن الأوراق المحروقة في اللعبة السياسية، ويحاولون البحث عن أوراق جديدة".


كما يورد أيضاً أن المادة 154 المنصوصة تحت بند "الفصل العاشر" المعنون بإطارات السياسة الخارجية الإيرانية التي تشير علانية بنصرة المستضعفين ضد المستكبرين – في إشارة إلى الإنسان الشيعي بحسب السلمي -، التي تنص على التالي "تعتبر جمهورية إيران الإسلامية سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله قضية مقدسة لها، وتعتبر الاستقلال والحرية وإقامة حكومة الحق والعدل حقًا لجميع الناس في أرجاء العالم كافة، وعليه فإن جمهورية إيران الإسلامية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم، وفي الوقت نفسه لا تتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى". ويعلل السلمي بأن هذه المادة تعتبر "لب التدخلات الإيرانية" في شؤون الدول الأخرى، وقضية "النمر" مثال صارخ على هذه التدخلات.


"التوقيت السياسي" من إثارة قضية نمر النمر إعلامياًّ وسياسياًّ من الجانب الإيراني، هل لها علاقة بالزيارة المرتقبة رسمياًّ لوزير خارجيتها للمملكة، نفى السلمي ذلك بشكل قاطع مؤكداً عدم وجود ارتباط بين إثارة القضية والزيارة.


أبرز ما يطالب به عدد من المراقبين - بمن فيهم السلمي - أن يكون رد من الخارجية السعودية وبالمستوى الدبلوماسي نفسه الذي تدخلت فيه طهران، كدعوة السفير الإيراني في المملكة وتقديم احتجاج رسمي على التدخلات الإيرانية السافرة، والتشديد على طلب توضيح بشأن تصريحات حسين أمير عبداللهيان الأخيرة، ومرد ذلك – وفق ما يقولون – إلى أن المكون السياسي الإيراني يفهم الصمت السعودي في غير محله.


حساب @iranianaffairs المهتم بتتبع وتطورات العلاقات العربية الإيرانية، وهو حساب مستقل يشرف عليه الدكتور محمد السلمي، أشار إلى نقطة غاية في الأهمية من تصريحات المسؤولين الإيرانيين حول حكم الإعدام الصادر بحق #نمر_النمر تدخل غير مبرر بالشؤون الداخلية للمملكة، وتثير المزيد من الشكوك حيال النمر.
الدلالة على الأهمية في خارطة التفاعلات الإيرانية هي الصور التي راجت بشكل كبير في عدد غير قليل في وسائل الإعلام العربية، ومنتديات ومواقع الإنترنت، ومواقع شبكات التواصل الاجتماعي، التي أظهرت صور المشانق للمناهضين للقيادة الإيرانية من عرب الأحواز والسنة على الرافعات، والتي أكثر الصور رمزية بحق الجمهورية الإسلامية وكيفية التعامل مع معارضيها.


جريدة (الوطن )السعودية