إقليم عدن
_ القاهرة :
بسم الله
الرحمن الرحيم
كلمة رئيس
الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر في ورشة العمل التي تنظمها اللجنة الاقتصادية لمناقشة الآلية والضوابط
التنفيذية العاجلة التي من شانها تعزز الاقتصاد وتحافظ على العملة الوطنية وذلك بمشاركة
ممثلين عن الامم المتحدة ووكالة التنمية الامريكية وبعثة الاتحاد الأوربي والعديد من
المنظمات الدولية المتخصصة وممثلين عن القطاع المصرفي اليمني والتجار .
الأخوة الوزراء
الأعزاء
الأخوة رجال
المال والأعمال
الأخوة ممثلو
المؤسسات النقدية الدولية، والدول الصديقة، الأخ/ راتب الأكحلي رئيس منظمة ديب روت
للاستشارات
صباح الخير،
أشكر لكم
حضوركم هذا اللقاء باسم القيادة اليمنية فخامة الرئيس عبدربه منصور رئيس الجمهورية،
والحكومة اليمنية، متمنياً لكم التوفيق في مهامكم، وأرجو أن نصل وإياكم جميعاً لرؤية
مشتركة حول الحالة الإقتصادية، والمالية، وتحديداً الحالة النقدية، في البلاد التي
يعكسها اضطراب وتقلب وانهيار سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية الأخرى،
إننا هنا بداية نقول أننا نأسف لأن أخوتنا رجال المال والأعمال في صنعاء قد منعوا من
الحضور.
لعلني أيها
الأخوة لست مضطراً للحديث مطولاً عن الأوضاع السياسية والعسكرية في بلادنا التي بدأت
بانقلاب الحوثيين على الرئيس الشرعي وعلى الدولة وعلى الإرادة الوطنية للشعب اليمني
في ٢٠١4م، وما تسبب به الانقلاب الحوثي من أضرار بالغة بأمننا وأمن المنطقة، الأمر
الذي استدعى تدخلاً عربياً وتحالفاً تقوده المملكة العربية السعودية، بدعوة من السلطة
الشرعية في البلاد، وتدخلاً دولياً لوضع حدٍ لهذا الانقلاب ممثلاً في القرار الدولي
رقم ٢٢١٦ والقرارات الدولية ذات الصلة.
لقد أدى هذا
الانقلاب إلى انهيار الدولة كيان ومقومات وموارد، وكان ذلك هو السبب الرئيسي المباشر
لانهيار النظام الاقتصادي والمالي في البلاد وبالنتيجة انهيار سعر الصرف، بالإضافة
إلى أسباب أخرى، فإن عولجت هذه الأسباب السياسية والأمنية في البلاد، كان ذلك مدخلاً
لحل المشكلات الأخرى. ومع ذلك فإنه ينبغي علينا أن لا نتوقف عن تلمس الحلول في مختلف
المجالات، وهذا اللقاء هو أحد وسائل البحث عن الحلول.
إن التمرد
على الدولة وعلى الشرعية قد أدى إلى التمرد على الدستور والقوانين المالية، وأكثر من
ذلك وأظن الكثير منكم يدرك أن الحوثيين قد نهبوا احتياطي البلاد من العملة الصعبة،
وما يقرب من اثنين ترليون ريال يمني من العملة المحلية، وتصرفوا بهذه الأموال ليمولوا
حربهم ضد بلادنا وشعبنا، بدعم إيراني، هدد ويهدد أمننا وأمن جيراننا وأمن الأمة العربية
بأسرها، وهو الأمر الذي لن يستمر طويلاً.
وفي الحقيقة
فإن الحوثيين لم يكونوا في حاجة لسفك هذه الدماء كلها، وهذا الدمار كله ليحكموا، كان
بإمكانهم أن يذهبوا إلى مخرجات الحوار الوطني، وإلى صناديق الاقتراع بعدما وقعوا عليها،
وكانوا حينها سيصبحون شركاء في الحياة السياسية، وأصحاب حق كغيرهم في البلاد في الحكم
وإدارة أمور السلطة والثروة، لكنهم لجهل وعنصرية وسلالية مقيتة منهم، وجهل البعض من
أهلنا الذين انقادوا لخرافة الحق الإلهي، فعدنا كما كنا قبل قيام الثورة، ثورة سبتمبر
المجيدة التي سنحتفل بذكراها السادسة والخمسين بعد أيام، فوق أن الانقلاب يهدد وحدة
البلاد، ووحدة المجتمع ويورث أحقاداً نحن في غنى عنها.
للأسف تفعل
المعتقدات حتى الكاذبة منها والخرافية فعلها في حياة الإنسان وسلوكه تجاه المجتمع والآخرين،
فيقبل أن يضحي أحدهم –على سبيل المثال- بحياته فرداً أو جماعة ليكون عبداً لسيده، وأداة
لقتل أخية، وتدمير وطنه. هذا ما يحدث بالضبط في بلادنا من طرفين رئيسيين؛ الحوثيين
والقاعدة وداعش، لكنه ليس السبب الوحيد الذي أنتج هذه الأزمة وهذه الحرب، وإن كان هو
السبب الرئيسي والأول، فالناس يقاتلون خلف الدعاة والأفاكين إيماناً بمعتقد حتى ولو
كان خرافياً بتأثير من الدين أو ما يعتقد أنه الدين، هناك تدخلاً إيرانياً يهدد أمننا
وأمن أمتنا ويعمل على تدمير مقومات الحياة في بلادنا، وسياسة توسعية وعنصرية لن تتوقف
إيران عن ممارستها، قبل أن نصحو نحن كأمة، وتخلق أسباب قدراتها ووسائل دفاعها الخاصة
بها.
لقد أصيب
الجميع بضرر بالغ، وأعتقد أن علينا اليوم أن نبحث في الأسباب الموجبة التي كانت سبباً
في انهيار الريال اليمني ونعالجها بقدر ما نستطيع من النتائج، ونحدد الوسائل والأدوات
العاجلة ومتوسطة المدى وإن تمكنتم طويلة المدى. فالأفكار والآراء والتوجهات المالية
التي ترون فائدتها لإنقاذ الريال اليمني وتساعد على التعافي الإقتصادي سوف تحظى باهتمامنا
في الحكومة. نحن شركاء وإياكم في اليمن، وشركاء في إدارة الشأن العام والشأن الاقتصادي
على وجه التحديد، وهذا هو سر وجودنا اليوم في هذا اللقاء معكم حكومة، ورؤوس أموال،
وخبراء، وأصدقاء من المجتمع الدولي، ومنظمات.
وعلينا أن
نتمعن في هذه الحالة التي نحن عليها، ففي الوقت الذي تتعزز فيه مواردنا من العملة الصعبة
على محدوديتها، من النفط على وجه التحديد ويتقدم فيه أشقائنا في المملكة العربية السعودية
بدعم خزينة الدولة بملياري دولار أمريكي وتتحسن موارد الدولة، وتتوفر خطابات الضمان
للتجار للاستيراد، ويصبح لدى الحكومة موازنة مالية تعتمد على ماهو متاح من موارد، وماهو
ممكن من مساعدات الأشقاء هي الأولى منذ قيام الحرب، بعد كل ذلك يعود الريال مرة ثانية
للانهيار أمام العملات الأجنبية الأخرى.
هناك سبب
مباشر ومعلومة ربما تحتاجونها في سياق مناقشاتكم اليوم فبحسب علمنا خشي الحوثيون من
قرار حكومي يلغي بعض الطبعات القديمة بعد أن اكتنزوها، لقد وجهوا طعنة قوية لخاصرة
الريال، وأضعفوا من ضعفه، في الواقع لم نكن نحن في الحكومة نفكر ولن نفكر في هذا الأمر
لإدراكنا ما يعنيه ذلك. لهذا دفعوا بنحو مئتي مليار ريال يمني دفعة واحدة للسوق ليستبدلوها
بالطبعة الجديدة، أو ليتخلصوا ويستبدلوها بعملات أجنبية.
ومعلومة أخرى
أظن أن أصدقائنا يحتاجونها، لقد تمكن الحوثيون في صنعاء من جباية 846 مليار ريال يمني
من موارد مختلفة في العام الماضي، وهم في سبيل الحصول على الدولار الأمريكي يضخون المزيد
من الريالات اليمنية التي جنوها من مصادرها التي يعرفها كل يمني ضرائب، وجمارك، وإتاوات
جعلوا لبعضها صفة دينية قدسية، كالخمس. وللأسف فقد حجبوا هذه الأموال عن مستحقيها،
ولم يدفعوا من هذا المبلغ للرواتب سوى مئة وأربعون مليار. لقد أذاقوا المواطنين سوء
العذاب وحرموا الناس من موارد الدولة مدفوعين بخرافات الماضي، ونهم السلطة.
نحن لا زلنا
نكرر عرضنا لهم، اجعلوا الموارد كلها في البنك المركزي وفروعه، ونحن على استعداد لصرف
مرتبات جميع العاملين في الدولة. ذلك ما كنا نفعله نحن معكم عندما كان البنك المركزي
تحت سيطرتكم ولمدة عامين متتالين حتى توقفتم عن صرف مرتبات المحافظات المحررة وحرمتم
الموظفين من رواتبهم، ومنعتم الناس عن حقوقهم. والحقيقة أنكم حتى هذه المرتبات لم تكونوا
تدفعونها، وكان المواطنون – جميع المواطنين- يتألمون ولكن على أمل نهاية قريبة للحرب.
كما إن شراء
الدولار والريال السعودي من عدن والمحافظات المحررة بهذا النهم الشديد من أطراف عديدة،
دون ضابط، وبعيداً عن الرقابة، مع استباحة واضحة للقانون المالي، وقانون الصرافة والتعامل
بخفة مع بعض القوانين الأخرى هي أمور تستحق من المعنيين المزيد من الاهتمام، فاستمرار
هذا الحال من المحال.
أيها الأخوة،،،
إنني لازلت
أدعو إلى تعاون الجميع نحن والتحالف والحاضرين من ممثلي البنوك والصيارفة إلى عمل مشترك،
قوامه وجوهره هو ضمان ذهاب المبالغ النقدية من العملة الأجنبية التي يتم التعامل بها
في السوق المحلية إلى البنك المركزي والبنوك التجارية العاملة في البلاد بدون ذلك لن
نكون أمام مركزين للقرار المالي بل مراكز متعددة وهو الأمر الذي ينبغي منعه ورفضه للأضرار
التي يلحقها باقتصاد هو هش في أساسه.
إن عدم الذهاب
بهذه الأموال مباشرة إلى البنك المركزي والبنوك التجارية حتى إن كان الهدف منها سد
الاحتياجات أو دفع المرتبات والذهاب للسوق والصرافة، يمثل سبباً آخراً من أسباب انهيار
العملة. في هذا الأمر علينا أن ندعو إلى تجسيد مبدأ التحالف بما يعنيه ذلك من دعم وإسناد
وتكاتف وتعاضد متبادل، ولحماية اقتصاد البلاد وحماية الاستقرار المعيشي للمواطنين،
سنقوم نحن في الحكومة بواجبنا وقد بدأنا بذلك، وما اتخذناه من إجراءات مع اللجنة الإقتصادية
برئاسة أخي حافظ معياد، ومحافظ البنك المركزي د. محمد زمام، ووزير المالية أستاذنا
أحمد عبيد الفضلي ليست سوى الخطوات الأولى.
وفوق ذلك
فنحن قد شجعنا الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وهيئة مكافحة الفساد على إعادة ترتيب
وضعيهما وممارسة دوريهما في حماية المال العام، لقد بدأ الجهازان في العمل في عدن منذ
ثلاثة أشهر مضت، وتقارير الجهاز والهيئة سوف تعرض على مجلس الوزراء، والرئاسة، لاتخاذ
ما يلزم من إجراءات وسوف تكون متاحة للرأي العام. وذلك هو الرد العملي على المحرضين
أعداء الجمهورية، وأعداء الوحدة دولة اليمن الإتحادية، الذين يتعمدون استخدام الصغائر
من الأمور لتشويه كل شيء في حياتنا في نظرة عدمية للأمور وتهور في التفكير والسلوك.
أنتم تعرفون
أننا أقدمنا على خطوات مدروسة، واستخدمنا آليات مجربة ثبتت نجاعتها ليس في بلدنا ولكن
في بلدان عديدة، كالبحث عن احتياطي نقدي من العملات الأجنبية وهو الأمر الذي تكفل به
الأشقاء في المملكة مشكورين، ووفرنا غطاء لخطابات الضمانات والاعتمادات، كما قمنا برفع
سعر الفائدة إلى 27% لإدراكنا بأن هذه الآلية سوف تحقق نتائج إيجابية. سوف نواصل جهودنا
وسنغطي احتياجات المواطنين من المشتقات النفطية الديزل والبترول من خلال توفير عشرة
مليون دولار أمريكي شهرياً لشركة النفط حتى لا تلجأ للسوق لتوفير الدولار وقد وجهنا
بذلك استناداً إلى قرار اللجنة الإقتصادية والبنك المركزي، كما سنوفر الدولار في البنوك
لأغراض العلاج وقد وجهنا بذلك استناداً إلى اقتراح اللجنة الاقتصادية، والبنك المركزي.
إن الأثر
الأكثر سوءاً من انهيار الريال هو انعكاسه على أسعار السلع الغذائية، وانخفاض كبير
في مداخيل ذوي الدخل المحدود ومنهم موظفي الدولة، وأثر ذلك على مدخرات الفئات الأخرى
من المواطنين، لقد تضرر الجميع بما في ذلك أصحاب المداخيل العالية، وكبار المستثمرين
والتجار في بلادنا، ومع ذلك فإنني أثق كل الثقة أننا ورغم كل ذلك سنتجاوز هذه الأزمة،
وإن تعاوننا وعملنا المشترك سيثمر عن نتائج إيجابية في القريب العاجل.
لقد حافظنا
على ضريبة جمركية ثابتة منذ سنوات في جميع منافذ البلاد البحرية والبرية والجوية، وسنستمر
دون تغيير. من المهم مراعاة ظروف المواطن والمسؤولية هنا تقع على التجار، إنني هنا
أوجه الشكر لإخوتنا أولاد هائل على مبادرتهم الرائعة في بيع القمح بأسعار مناسبة في
الظروف الملموسة، إنني أرجو أن يقتدي الآخرون بهذه الروح العالية في التعامل مع السوق.
إنني أطالب
الحوثيين الالتزام بما اتخذنا من إجراءات. يجب أن يكون هناك مركز قرار مالي واحد لحماية
اقتصاد البلاد، وحماية الريال، وإنني أحذرهم من أي ممارسات أو إجراءات مالية من شأنها
تعطيل جهودنا نحو التعافي الاقتصادي والمالي، أو على الأقل جهودنا لوقف التدهور. إن
على هؤلاء الانقلابيين المتمردين أن يدركوا أن لنا جميعاً في الريال اليمني شراكة،
وأن التنافس أو محاولة إضعاف جهود الحكومة في شأن الريال جريمة كجريمتهم في الانقلاب
على الشرعية، والدولة، والمجتمع، كونوا أيها الحوثيون ولو مرة واحدة يمنيين.
نحن هنا نشكر
كل أشقائنا في دول التحالف العربي، لكننا نخص أشقائنا المملكة العربية السعودية بجزيل
الشكر والإمتنان على ما قدموه ويقدمونه من دعم سخي وكريم لشعبنا في هذه المرحلة بدون
هذا الدعم كنا سنعاني أكثر اقتصادياً ومالياً، وبالتأكيد نتطلع لدعم الأشقاء في دول
التحالف.
كما نوجه
الشكر الجزيل لأشقائنا في جمهورية مصر العربية، للحكومة المصرية وعبرها إلى فخامة رئيس
الجمهورية الرئيس عبدالفتاح السيسي، التي أتاحت لخبرائنا ورجال المال والأعمال والمنظمات
وقادة المؤسسات المالية في بلادنا فرصة اللقاء هنا على أرض الكنانة، كانت مصر في كل
الظروف وجهتنا وها هي اليوم تقف معنا وتساند جهودنا في الدفاع عن حقنا في الدفاع عن
بلدنا ضد الانقلاب الحوثي والأطماع الإيرانية ودفاعاً عن وحدة وأمن واستقرار بلادنا.
كما أن الشكر
موصول لكل من تعاون معنا من الأصدقاء في المنظمات الدولية، وأصدقائنا في الولايات المتحدة
الأمريكية وأوروبا وآسيا الذين تضامنوا ويتضامنون معنا وبلادنا تمر بهذه الظروف الصعبة،
وللحقيقة فإن هناك شكر خاص يجب أن يوجه لمنظمة ديب روت للاستشارات، ورئيسها الأخ رأفت
الأكحلي. وأخيراً شكراً لكم زملائي في الأمانة العامة لرئاسة الوزراء، لحسين منصور
والكادر العامل معه.
الرحمة والخلود
لشهدائنا الأحرار، والشفاء العاجل لجرحانا الأبطال..
والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته
22/9/2018م