إقليم عدن _ خاص:
تأجلت المشاورات اليمنية التي كان من المزمع
أن تبدأ في جنيف اليوم، بعد تأخر الحوثيين وتعنتهم عن الحضور بسبب اشتراطات للجماعة
الانقلابية طرأت قبيل مغادرتهم صنعاء، في تكرار لسيناريو المناورات الحوثية الدائمة
التي تحدث في كل مرة يدخل فيها الانقلابيون طرفا في أي مشاورات سياسية.
ورغم أن المشاورات لن تكون مباشرة مثلما
لمح المبعوث سابقا، إلا أنها لن تنعقد في وقتها.
وقالت مصادر مطلعة إن الاشتراط الحوثي جاء
بإيعاز من «حزب الله» اللبناني. وتحدثت المصادر نفسها عن أن توجيه «حزب الله» للميليشيات
الحوثية بطرح شروط جديدة وعدم الوصول في الوقت المحدد للمشاورات، يعد محاولة لإفشالها
وكسب مزيد من الوقت، سيما وأن الجيش اليمني والقوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية في
اليمن أوقفوا عملية تحرير ميناء الحديدة لاعتبارات إنسانية وإعطاء فرصة للمسار السياسي.
وحول التأخر الحوثي قال غريفيث في تغريدة
بدا أنها توضيح لما قاله في مؤتمر صحافي عقده بجنيف أمس: «يجري وضع اللمسات الأخيرة
على ترتيبات حضور جميع الوفود، ونعمل جاهدين للتأكد من حدوث ذلك، ونحن قادرون على بدء
المشاورات».
وقالت مصادر في جنيف إن غريفيث التقى وفد
الشرعية في لقاء غير رسمي لبحث المسألة وأبلغه الوفد بأنه من غير الممكن أن تبدأ المشاورات
من دون وصول الطرف الآخر.
وكان المبعوث قال في المؤتمر الصحافي إنه
يستطيع أن يبدأ المشاورات الليلة، لكن يبدو أنه تغير الجدول بعد ذلك.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية إعلان الحوثيين
بأنه يتعذّر عليهم مغادرة صنعاء للمشاركة في مشاورات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة
بدءا من الخميس، بسبب عدم توافر طائرة، وعدم وجود ضمانات بإمكانية عودتهم إلى العاصمة،
وزعم الحوثيون في بيان نشرته قناة «المسيرة» المتحدثة باسمهم في حسابها بتويتر بأن
الأمم المتحدة لم تستطع استخراج ترخيص من دول التحالف بتوفير طائرة عمانية لنقل الوفد
والجرحى والعالقين.
ولم يوضح الانقلابيون من هم الجرحى والعالقون
الذين أرادوا نقلهم، أو عددهم، وإلى أي بلد كانوا يودون نقلهم على متن طائرة الوفد
المشارك في المحادثات.
وذكر الحوثيون أيضا أنه لا توجد ضمانات
بالسماح لهم بالعودة إلى صنعاء فور انتهاء المشاورات.
وردا على ذلك، نشرت وسائل إعلام يمنية،
تصريحاً من هيئة الطيران المدني اليمنية يسمح للطائرة الخاصة بنقل وفد الميليشيات الحوثية
إلى جنيف والذي كان من المفترض أن يتم يوم أمس على أن تبدأ المفاوضات اليوم الخميس.
وبحسب موقع المشهد اليمني فإن التصريح يسمح
للطائرة بالإقلاع من مطار صنعاء الدولي، إلا أن الميليشيات قدمت حججا واهية بهدف تعطيل
وإفشال المشاورات التي ترعاها الأمم المتحدة. وأوضحت صورة التصريح الذي أصدرته هيئة
الطيران المدني اليمنية تفاصيل خط سير الطائرة وزمن المغادرة والوصول.
وبالعودة إلى مؤتمر غريفيث الصحافي، أوضح
المبعوث أن وقف إطلاق النار ليس ضرورياً لبدء المشاورات؛ «لأن هذا يعتبر فرضا لشروط
مسبقة». وأضاف أن «المحادثات في جنيف عبارة عن مشاورات، وليست مفاوضات رسمية، وهي تهدف
لإعادة إحياء مسار السلام وبناء الثقة بين الطرفين»، لافتا إلى أن المشاورات ستركز
على تنشيط عملية السلام وتمهيد عقد مفاوضات لاحقة هنا في جنيف. وأوضح أن استقرار اليمن
أمر استراتيجي ليس للمنطقة فقط بل لأوروبا أيضا. وأشار إلى أنه لا يوجد جدول أعمال
للمشاورات اليمنية خلال الأيام الـ3 المقبلة والبنود مفتوحة إذا كانوا بحاجة للتمديد،
متابعا: «نعمل بكل دأب لحضور ممثلي الحكومة والحوثيين إلى محادثات جنيف، نريد إنهاء
الحرب في اليمن والوصول إلى حل سياسي للأزمة». وبالانتقال إلى نيويورك، عبر أعضاء مجلس
الأمن في بيان أمس عن دعمهم الكامل للعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة وجهود
المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن من أجل التوصل إلى تسوية سياسية تنهي النزاع
الدائر في هذا البلد.
وأكد أعضاء المجلس أنه «ما من حل للنزاع
في اليمن سوى الحل السياسي»، مكررين دعوتهم إلى التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن
وبياناته، بما في ذلك القرار 2216 ورحبوا بالمشاورات التي تقودها الأمم المتحدة مع
ممثلي الأحزاب اليمنية المقرر عقدها في 6 سبتمبر (أيلول) 2018 في جنيف، علما بأن «هذه
المشاورات الأولية ستكون خطوة ضرورية ومهمة نحو الاتفاقات السياسية والأمنية الشاملة
والتي ستكون مطلوبة لحل النزاع، وتحسين الوضع الإنساني، وتحقيق السلام والازدهار والأمن
لجميع اليمنيين». ودعا الأعضاء «المجتمع الدولي، ومنهم الجيران الإقليميون، إلى دعم
هذه المشاورات بنشاط، كما طلبوا من المبعوث الخاص إبقاءهم على علم بالتقدم المحرز،
بما في ذلك من خلال إحاطة مجلس الأمن علماً باختتام مشاورات جنيف، حتى يتمكنوا من النظر
في اتخاذ مزيد من الإجراءات دعما للتسوية السياسية». وكرر أعضاء مجلس الأمن «التأكيد
على التزامهم القوي بوحدة وسيادة واستقلال أراضي اليمن».
ورداً على سؤال عن تقارير تفيد بأن وفد
الحوثي لم يحصل على ممر آمن للوصول إلى جنيف والمشاركة في هذه المحادثات، أكدت المندوبة
البريطانية الدائمة لدى الأمم المتحدة كارين بيرس أن «الأمر لا يتعلق بعدم منحهم ممرا
آمنا» لأن الأمم المتحدة «ستبذل كل ما في وسعها لمساعدة وفد الحوثي على المجيء إلى
جنيف»، معبرة عن اعتقادها أن «الأمر داخلي، ويتعلق بالحوثيين».
وفي قراءة للمشاورات، يؤكد نجيب غلاب أستاذ
العلوم السياسية السابق في جامعة صنعاء أن المعطيات الحالية تفيد بأن هذه المشاورات
لن تحقق المأمول الذي يرجوه المبعوث الأممي وطاقمه، وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»:
«الجماعة الحوثية تراوغ وتناور لتأجيل عملية تحرير الحديدة والساحل الغربي بالكامل،
وقد تم تأجيل تحرير الميناء لعل المشاورات تنجح لكن الميليشيات الحوثية لن تقدم أي
تنازلات في هذا الملف أو غيره».
وتابع غلاب: «المشاورات محاولة لفتح أفق
جديدة لإنجاح الحلول السياسية، لكنها ستكون غير مباشرة كما أعلن، وإنما عبر أوراق مكتوبة،
وقد يكون المبعوث الأممي أراد من خلال هذه الخطوة الحصول على التزامات خصوصاً من الطرف
الحوثي (...) من الواضح أن الميليشيات الحوثية تتعامل مع هذه المشاورات بشكل غير جاد،
كما يبدو من الوفد أنهم مجموعة من الموظفين والقيادات التي لا تملك السلام أو الحرب».
وكان معمر الإرياني وزير الإعلام اليمني
كشف عن توجيه الرئيس عبد ربه منصور هادي للوفد المفاوض بوضع قضية الإفراج عن جثمان
الرئيس السابق علي عبد الله صالح وإطلاق سراح أبنائه وقيادات حزب المؤتمر وجميع القيادات
والصحافيين والناشطين الأسرى والمعتقلين على رأس أولوياتهم في مشاورات جنيف.
إلى ذلك، يعتقد الكاتب اليمني همدان العليي
أن الحديث عن تغير في سلوك الميليشيات الحوثية في هذه الجولة هو أمر مبالغ فيه، وأردف:
«هناك من يقول يمكن تحقيق تقدم أو تقارب في المشاورات الحالية لأنها ستتعامل مع ثلاث
قضايا أساسية ليس من بينها عملية الانتقال السياسي أو تسليم السلاح المنهوب من الميليشيات،
الأولى هي قضية المختطفين، والثانية مطار صنعاء، وأخيراً تسليم المرتبات عبر البنك
المركزي في عدن، وأكثر نقطة سيتم التركيز عليها هي المختطفون لبناء الثقة، لكن بحكم
معرفتنا بسلوك الميليشيات الحوثية فإنها ستراوغ في هذا الملف، قد يكون هناك قبول لإطلاق
بعض المختطفين للخروج من ورطة الحديدة لكنها لن تفرج عنهم جميعهم لأن هذه ورقة مهمة،
وخاصة المعتقلين السياسيين، وحتى إذا أفرجت عنهم فستقوم باختطاف آخرين لابتزاز الشرعية
والمجتمع الدولي».
في ملف البنك المركزي، يرى العليي أن الميليشيات
لن تقبل بتسليم الإيرادات للشرعية أو حتى لطرف ثالث، مبيناً أنها تمول عملياتها العسكرية
من هذه الإيرادات، واستطرد بقوله: «أعتقد أن الميليشيات ومن خلال التجارب السابقة الحوار
معها غير مجد لأن هدفها الوصول للحكم بأي طريقة، وحتى لو تم احتواؤها في العملية السياسية
فستتحول لجماعة مثل (حزب الله) تسيطر على العاصمة والحدود لامتلاكها السلاح، لهذا يدرك
أي متابع بأنه لن يتحقق الاستقرار في اليمن إلا من خلال حسم المعركة عسكرياً مع الحوثيين».
«الشرق الأوسط»