إقليم عدن - خاص:
بينما تنطلق في مدينة جنيف السويسرية غدا
(الخميس) الجولة الرابعة من المشاورات اليمنية التي ترعاها الأمم المتحدة، جددت الحكومة
الشرعية أمس عزمها المشاركة بنوايا صادقة تضع مصلحة أبناء الشعب اليمني فوق كل الاعتبارات.
وتشرف الأمم المتحدة على هذه المشاورات بين الحكومة الشرعية والانقلابيين الحوثيين،
في سياق سعيها إلى بناء الثقة بين الطرفين قبل إطلاق المفاوضات الرئيسية التي تشمل
الجوانب السياسية والأمنية والعسكرية.
وأعلنت الجماعة الحوثية في صنعاء أسماء
مفاوضي وفدها برئاسة المتحدث باسمها محمد عبد السلام كما كان متوقعاً، مع ضمها عددا
من قيادات حزب «المؤتمر» الخاضعين لها إلى قوام الوفد في سياق مساعيها للسطو على الحزب
وتحويله إلى ذراع سياسية لها بعد أن قتلت زعيمه ومؤسسه الرئيس السابق علي عبد الله
صالح. جاء هذا تزامنا مع رفض قادة حزب «المؤتمر» في الخارج المشاركة في المشاورات تحت
مظلة الميليشيات الحوثية، وعدّوا في بيان، إدراج قيادات من الحزب في الداخل ضمن قوام
وفد الجماعة نوعا من الانحياز من قبل المبعوث الأممي مارتن غريفيث إلى صف الجماعة لمساندتها
في شق الحزب والاستحواذ عليه.
ومن المقرر أن تركز المشاورات غير المباشرة
بين الفريقين على ملف الأسرى والمختطفين، أملا في التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراحهم،
إلى جانب تركيزها على النواحي الإنسانية وإزالة العراقيل أمام وصول الدعم والمساعدات
الإنسانية، إضافة إلى قضية رواتب الموظفين وميناء الحديدة. وإلى جانب المتحدث باسم
الجماعة ورئيس وفدها محمد عبد السلام فليتة، ضم الوفد القيادي في حزب «المؤتمر» جلال
الرويشان، وهو يشغل منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون الأمن والدفاع في حكومة الجماعة الانقلابية
غير المعترف بها دولياً، إضافة إلى القيادي في الحزب خالد سعيد الديني، وسط أنباء عن
قيام الجماعة بأخذ رهائن من أقارب القياديين لضمان عدم الانقلاب عليها أثناء المشاورات.
وتضمن الوفد الحوثي القيادي في الجماعة
المقرب من زعيمها عبد الملك العجري، وهو موجود في الخارج منذ أشهر، رفقة المتحدث باسم
الجماعة متنقلا معه ما بين مسقط وطهران وبيروت وبغداد، في سياق التنسيق الحوثي مع إيران
وأدواتها في المنطقة. كما حرصت الجماعة على إضافة 8 أعضاء ضمن الوفد من الموالين لها
من المكونات الجنوبية الصورية والأحزاب التي استنسختها في صنعاء، وهم غالب مطلق، وحميد
ردمان، وسليم المغلس، وإبراهيم حجري، وسقاف عمر علوي، وعبد الملك الحجري، وعبد المجيد
ناجي الحنش، ثم القيادي الإعلامي في جناح حزب «المؤتمر» الخاضع لها في صنعاء، يحيى
علي نوري.
وأكدت مصادر حزبية لـ«الشرق الأوسط» أن
القيادية في حزب «المؤتمر» فائقة السيد وهي عضو في المفاوضات السابقة، رفضت المشاركة
في وفد الجماعة التفاوضي، لقناعتها أنه من المعيب في حقها أن تضع يدها في يد الجماعة
التي قتلت رئيس حزب المؤتمر علي صالح، وأمينه العام عارف الزوكا، وقامت بالتنكيل بأعضاء
الحزب ونهب ممتلكاته.
وذكرت المصادر، أن الجماعة استبعدت من عضوية
وفدها في اللحظات الأخيرة، هشام شرف وهو وزير خارجية حكومتها الانقلابية، لجهة التنافس
الذي نشب بينه وبين نائبه القيادي في الجماعة حسين العزي على الفوز بعضوية الوفد، وهو
ما أدى إلى تدخل زعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي، لمنع كليهما من المشاركة في الوفد.
ورفض قادة حزب «المؤتمر» في الخارج المشاركة
تحت جناح الجماعة التي قتلت زعيم حزبهم صالح وأمينه العام عارف الزوكا، كما أدانوا
ضغوطات الميليشيات الحوثية على رفاقهم في الداخل لانتزاع مواقف مخالفة لقناعاتهم، بحسب
ما جاء في بيان صادر عنهم. وذكرت قيادات الحزب في الخارج، وهم أعضاء في اللجنة العامة
للحزب (المكتب السياسي) وأعضاء في اللجنة الدائمة، ورؤساء فروع، أنهم «متمسكون بوصايا
الرئيس علي عبد الله صالح وعلى رأسها فك الارتباط مع جماعة الحوثي». وأكد قادة الحزب
«استمرارهم بالتمسك بهذا الموقف والثبات عليه، خاصة وقد تعزز بالتوافق عليه بين قيادات
المؤتمر في الداخل والخارج عدم المشاركة في المشاورات المزمع إجراؤها في جنيف برعاية
المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة. ما لم توجه الدعوة إلى المؤتمر للمشاركة
بصفته من خلال وفد منفرد ومستقل بعيدا عن أي من وفدي الحكومة أو جماعة الحوثي». وأشاروا
إلى أن موقفهم «يعكس موقف كوادر وأعضاء وأنصار المؤتمر في الداخل والخارج، حرصا على
وحدة المؤتمر ومكانته ومشاركته بعيدا عن أي ضغوط أو وصاية من أي طرف كان».
واستغربت قيادات في الحزب التغيير الذي
حدث في موقف المبعوث الأممي الذي رفض مشاركة المؤتمر بالمطلق، ومن حيث المبدأ، وقالوا
في بيانهم إن غريفيث «بشكل مفاجئ تغيرت قناعاته وعمل على محاولة استدراج المؤتمر من
خلال إعادة صياغة الدعوة التي وجهت لسلطة الحوثيين ليتم تمثيله تحت مظلتها ووصايتها
في مسعى واضح لشق صف المؤتمر، بناءً على رغبة الذين أوعزوا للمبعوث بإعادة إرسال الدعوة
بالصيغة الجديدة التي ربما هدفها إعاقة نجاح المشاورات خاصة إذا ما اعتبرت الرسالة
مؤشرا لانحياز المبعوث لطرف من الأطراف»، على حد قولهم.
وشددت قيادات المؤتمر في الخارج على «رفضها
المطلق مشاركة الحزب بوفد غير مستقل أو تحت أي مظلة كانت»، ورفضوا «أي محاولة لجر الحزب
إلى مواقف لا تمثل قناعاته أو تخدم القضية الوطنية» بحسب ما جاء في البيان.
وكان المبعوث الأممي وجه الدعوة إلى جماعة
الحوثيين وإلى الحكومة الشرعية لحضور المشاورات، قبل أن يعود لتبديل صيغة الدعوة الموجهة
إلى الجماعة لتصبح موجهة إلى من وصفها «بالقيادة السياسية» في صنعاء، ممثلة برئيس مجلس
حكم الميليشيات مهدي المشاط، والقيادي في حزب «المؤتمر» صادق أمين أبو راس الذي أشرفت
الجماعة بعد مقتل صالح على تنصيبه رئيسا للحزب تحت إمرتها. كما استبعد المبعوث الأممي
من المشاورات «المجلس الانتقالي الجنوبي» وهو ما دفع المجلس الذي يقود النزعة الانفصالية
في جنوب اليمن، إلى إصدار بيان، دعا فيه إلى رفض أي نتائج تنجم عن المشاورات، داعيا
أنصاره في الشارع إلى تصعيد الاحتجاجات المناهضة للحكومة الشرعية التي يتهمها بـ«الفساد».
وأكد «الانتقالي الجنوبي» أنه «يرفض أي
مشاورات أو مفاوضات لا يكون طرفا فيها وعدم التزامه بأي مخرجات يتم الاتفاق عليها في
هذه المشاورات أو المفاوضات» من قبل من وصفهم بأنهم «أطراف ليست موجودة على الأرض»
في إشارة إلى القيادات الجنوبية المشاركة في المشاورات والحليفة مع الحكومة الشرعية.
ولوّح «المجلس الانتقالي» باللجوء إلى أنصاره في الشارع، داعيا «إلى استمرار التحركات
الشعبية» والتعبير السلمي والمظاهرات التي أشعلها أخيرا في معظم مناطق الجنوب انهيار
سعر العملة المحلية (الريال) وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية.
غريفيث يؤكد التزامه بإشراك الجنوبيين في
العملية السياسية
وفي وقت لاحق أمس، أكد غريفيث التزامه بمشاركة
الجنوبيين في العملية السياسية باليمن. وقال في بيان: «منذ أن توليت منصبي مبعوثا خاصا
في مارس (آذار) من العام الحالي، أكدت باستمرار أنه لن يكون هناك سلام في اليمن إذا
لم نستمع إلى طيف واسع من الأصوات اليمنية، بما في ذلك المجموعات الجنوبية، والتأكد
من أنها مشاركة في الجهود الرامية إلى التوصّل إلى تسوية سياسية مستدامة». وأضاف:
«في الأشهر القليلة الماضية، تشاورت مع كثير من المجموعات الجنوبية للتوصل إلى توافق
حول مشاركتهم الفاعلة في العملية السياسية، وقد شجعني انفتاحهم على الحوار واستعدادهم
لإيجاد حل سلمي لقضاياهم. سوف أظل ملتزما بالتوصل إلى توافق معهم بشأن مشاركتهم في
العملية السياسية، وأتطلع إلى مواصلة مناقشاتنا في الأسابيع القادمة». وتابع: «أحثّ
أصحاب الشأن اليمنيين كافة على العمل معاً لخلق بيئة مواتية للمفاوضات من أجل إنهاء
الحرب وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد وتقديم الخدمات الأساسية للشعب اليمني».
وكانت مصادر في الحكومة الشرعية سربت في
وقت سابق أسماء الوفد الحكومي المفاوض، الذي يرأسه وزير الخارجية خالد اليماني، ويضم
في قوامه قيادات حزبية ووزراء وشخصيات قبلية وعسكرية موالية للشرعية في مواجهة معسكر
الانقلابيين الحوثيين. وفي ذات السياق، أفادت المصادر الرسمية أمس أن نائب الرئيس اليمني
الفريق الركن علي محسن الأحمر، التقى أمس في الرياض وزير الخارجية ورئيس الوفد المفاوض
خالد اليماني، وناقش معه، ترتيبات مشاورات السلام المزمع انطلاقها غدا. وأكد نائب الرئيس
اليمني أن «الشرعية تدخل هذه الجولة من المفاوضات للمرة الرابعة بنوايا صادقة تضع في
المقام الأول مصلحة أبناء الشعب اليمني ومصالح البلاد العليا على كل الاعتبارات»، مشددا
على موقفها «تجاه السلام الدائم المستند على المرجعيات الثلاث بما يؤدي إلى إنهاء الانقلاب
واستعادة الدولة والحرص على إنهاء معاناة اليمنيين التي تسبب بها انقلاب ميليشيات الحوثي
المدعوم من إيران». وقال الأحمر في تصريحات نقلتها وكالة «سبأ» إنه «يأمل أن يضع الانقلابيون
في حسبانهم مصلحة البلاد ووضع المواطن اليمني الذي تجرع المرارات في ظل سيطرتهم الميليشاوية
وأن يتراجعوا عن طيشهم ومغامراتهم بالاستيلاء على الدولة وتهديد الأمن القومي والعالمي
لما لذلك من عواقب كارثية ستطال كل اليمنيين».
من جانبه، أشار وزير الخارجية خالد اليماني
إلى التجهيزات الخاصة بالوفد الحكومي المشارك في المشاورات والمسؤولية الكبيرة التي
تقع على عاتقه، وقال: «إن الجميع يأمل في أن تسهم هذه الجولة بالحد من تفاقم الوضع
الإنساني والخروج بنتائج إيجابية تخدم مصلحة الشعب اليمني وأهداف استعادة دولته».
ورغم أن هذه الجولة من المشاورات التي ترعاها
الأمم المتحدة، ستكون بين الوفدين بشكل غير مباشر، وستقتصر على الجوانب المتعلقة ببناء
الثقة بين الجانبين المتفاوضين، فإن ترجيحات المراقبين تميل إلى أنها ستكون محدودة
النتائج، لجهة التعنت الحوثي المعهود خلال الجولات السابقة من المفاوضات التي شهدتها
سويسرا والكويت. وترفض الجماعة الحوثية، علنا، مرجعيات الحوار المتفق عليها، كما أنها
ترفض الحديث عن تسليم أسلحتها وإعادة المؤسسات الحكومية الخاضعة لها إلى الشرعية، وتطالب
بتشكيل حكومة وحدة وطنية والتوافق على رئاسة جديدة للدولة قبل الشروع في أي إجراءات
تتعلق بالجانب الأمني والعسكري. ويرجح كثير من المراقبين أن الجماعة الموالية لإيران
تستغل المفاوضات لإطالة أمد الحرب مع رهانها على الحل العسكري لتثبيت سلطات انقلابها،
وبقائها أداة تحركها أجندة إيران لزعزعة أمن المنطقة وتهديد طريق الملاحة في باب المندب
والبحر الأحمر.
«الشرق الأوسط»