إقليم عدن _ خاص :
فرضت الميليشيات الحوثية أمس زيادة جديدة
على أسعار الوقود هي الثانية خلال شهر، في سياق مساعيها لمضاعفة أرباحها من تجارة المشتقات
النفطية التي يحتكرها قادتها والموالون لها في مناطق سيطرتها، دون الالتفات إلى معاناة
السكان جراء هذه الزيادة.
وافتعلت الجماعة في اليومين الماضيين، أزمة
في الوقود، في مناطق سيطرتها تمهيدا، لفرض الجرعة السعرية الجديدة التي أمر بها أمس
رئيس مجلس حكم الجماعة (المجلس السياسي الأعلى) مهدي المشاط، إثر لقاء جمعه بوزير نفط
الجماعة في حكومة الانقلاب غير المعترف بها شرعيا أحمد عبد الله دارس.
وشوهدت أغلب محطات بيع الوقود التي تملكها
الجماعة وتجار النفط الموالون لها مغلقة أبوابها أمام طوابير السيارات في صنعاء وذمار
وبقية المحافظات الخاضعة للجماعة، في حين بلغ سعر صفيحة البنزين سعة 20 لترا، في السوق
السوداء أمس 12 ألف ريال (نحو 20 دولارا). وأقرت الجماعة على إثر توجيهات المشاط، السعر
الجديد أمس، بزيادة 500 ريال، على كل صفيحة بنزين، كما شملت الزيادة وقود الديزل، وسط
استياء كبير في أوساط السكان وملاك المزارع وأفران الخبز، لجهة ما سيتسبب فيه القرار
الحوثي من مضاعفة معاناة المواطنين ورفع أسعار المواد والسلع الأساسية، وأجور النقل.
وتجني الجماعة يوميا - بحسب مراقبين اقتصاديين
- أكثر من ثلاثة ملايين دولار من أرباح احتكارها لاستيراد وبيع المشتقات النفطية، والتي
تسخرها لمصلحة مجهودها الحربي وشراء الأسلحة المهربة وإثراء قادتها وعناصر سلالة زعميها
الحوثي.
ومنذ انقلاب الجماعة الحوثية على الشرعية
أواخر 2014 واجتياحها صنعاء، زادت أسعار الوقود بنسبة 100 في المائة، رغم أن أبرز شعارات
الجماعة المرفوعة أثناء بدء الانقلاب كان احتجاجها على ما كانت تصفه بالارتفاع غير
المقبول في أسعار الوقود.
وعلى صعيد متصل الأوضاع الاقتصادية، واصلت
العملة اليمنية أمس انهيارها المتواصل أمام العملات الأجنبية، مقتربة من كسر حاجز الـ600
ريال أمام الدولار الواحد، مع وجود تفاوت نسبي طفيف في أسعار الصرف باختلاف المناطق
اليمنية.
ويتهم المراقبون جماعة الحوثيين بافتعال
أزمة انهيار العملة الوطنية نكاية بالحكومة الشرعية، لجهة ما تقوم به الجماعة من أعمال
غير مشروعة لاستنزاف العملة الصعبة عبر المضاربة بها واكتنازها لزيادة الطلب عليها
في السوق المصرفية، إضافة إلى حمايتها لأكبر تجار العملة في مناطقها وعدم اتخاذ أي
إجراء بحقهم.
وأكد مصرفيون لـ«الشرق الأوسط» في صنعاء
أن الإقبال المحموم على شراء العملات الأجنبية في السوق يأتي وفق مخطط حوثي يرمي إلى
تحميل الحكومة الشرعية مسؤولية تهاوي الاقتصاد بحكم أن البنك المركزي اليمني يقع تحت
سيطرة الحكومة في العاصمة المؤقتة عدن. وفي حين لم تفلح حتى الآن المعالجات الحكومية
في إعادة التوازن إلى سعر العملة الوطنية، تضاعفت في الأسابيع الأخيرة أسعار مختلف
السلع الغذائية بما فيها السلع الأساسية، تحت وقع الانهيار المستمر للريال اليمني،
وهو الأمر الذي ينذر بكارثة حقيقية - كما يقول المراقبون - إذا استمر الحال كما هو
دون حلول ناجعة. في غضون ذلك، أعلن مستشار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ورئيس
اللجنة الاقتصادية المشكلة أخيرا، حافظ فاخر معياد، أن أعضاء اللجنة سيجتمعون الأسبوع
المقبل في العاصمة السعودية الرياض لبحث تداعيات انهيار الاقتصاد واتخاذ إجراءات مرتقبة
بهذا الشأن من بينها ضبط عمليات الاستيراد من الخارج.
وقال معياد في منشور تابعته «الشرق الأوسط»
على صفحته في «فيسبوك» «بعد التواصل بين رئيس اللجنة الاقتصادية وأعضائها تم الاتفاق
على أن تعقد اللجنة اجتماعها الأول الأسبوع المقبل في الرياض وذلك لمناقشة آلية للاستيراد
وكذا الإجراءات اللازم اتخاذها لضمان استقرار العملة ومن ثم رفعها إلى رئيس الجمهورية
لإقرارها والتوجيه بتنفيذها».
وجاء إعلان معياد عن موعد اجتماع اللجنة
الأول بعد أيام من تشكيلها بقرار رئاسي، حيث ضمت في عضويتها سبعة شخصيات، من بينها
وزير المالية في الحكومة الشرعية ومحافظ البنك المركزي، إلى جانب خمسة آخرين من الشخصيات
ذات الخبرة المالية والاقتصادية. ويطمح الرئيس هادي إلى أن تتمكن اللجنة من رسم السياسات
المالية للدولة بما يكفل وضع حد لانهيار الاقتصاد وتهاوي سعر العملة المحلية (الريال)
مستفيدا من تعيين معياد على رأس اللجنة بوصفه واحدا من أذرع الرئيس الراحل علي عبد
الله صالح المعروفين بنجاحهم على الصعيد المالي والمصرفي.
ويرجح المراقبون أن الاقتصاد اليمني بحاجة
إلى اتخاذ إجراءات عاجلة تعيد للريال استقراره، إلى جانب إجراءات أخرى تحد من سلوك
الميليشيات الحوثية في العبث بالسوق المصرفية، فضلا عن ترشيد الإنفاق، وتفعيل موارد
الدولة السيادية، بخاصة على صعيد إعادة تصدير النفط والغاز من القطاعات المتوقفة منذ
انقلاب الميليشيات على الشرعية.
وكان وزير المالية في الحكومة الشرعية أكد
في تصريحات سابقة أن عائدات بيع النفط تساوي نحو 100 مليون دولار شهريا، وهو مبلغ لا
يكفي للإنفاق على المرتبات وإعادة تطبيع الأوضاع في المناطق المحررة، فضلا عن أنه لا
يستطيع تغطية العملة الصعبة المطلوبة من أجل الاستيراد.
«الشرق الأوسط»