إقليم
عدن/خاص:
من المصادفات الحميدة، ان يتزامن احتفالنا بالعيد الوطني الثامن والعشرون
لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م، مع شهر رمضان المبارك، لنستذكر المغزى
من حث ديننا الحنيف على الوحدة وعدم التفرق، وما يعنيه ذلك من ان قوة الأمة في وحدتها،
والخطاب يتصل بوحدة الأمة الإسلامية جمعاء، فكيف بأبناء وطن واحد تجمعهم ثقافة وهوية
ولغة واحدة وتاريخ مشترك وروابط اجتماعية، لا يمكن انفصامها.
لقد مثلت الوحدة اليمنية، نبراسا ومفخرة في التاريخ العربي الحديث والمعاصر،
ونقطة مضيئة على طريق تجسيد الحلم الذي نتغنى به منذ قرون عن وحدة الأمة العربية والاسلامية،
وما يمكن ان تصنعه وحدتها من علامة فارقة تعيد لها أمجادها التليدة حين كانت تسود العالم
شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.
صحيح ان ما اعترى الوحدة اليمنية من مثالب وتجاوزات وأخطاء، سمح للبعض
– وقد يكونون على حق-، في النيل منها وإحياء الدعوات الانفصالية للتفرقة والتشرذم من
جديد، لكنهم تناسوا اما بجهل أو تعمد، ان ذلك ليس سببه المنجز التاريخي العظيم بتحقيق
الوحدة، بل في النظام والسياسات الخاطئة التي أدت الى تراكم المظالم وسياسة الإقصاء
والتهميش التي مورست في فترات ماضية.
ولعل هذا يؤكد ان كل الدعوات التشطيرية مهما كانت حججها تظل ضعيفة، وما
قادت اليه السياسات الخاطئة، بعد ربع قرن وفوقها ثلاثة سنوات على صنع اهم منجز في تاريخ
اليمن، يتحمل وزرها نظام سياسي، وليس للمجتمع ذنب فيها، سوى انه كان ضحية لها.
ومهما اعترى مسار دولة الوحدة من عثرات، فان ذلك يعني تصحيح المسار وليس
المطالبة بالعودة الى عهود التشطير، فاليمن من أقصاه لأقصاه ليس هذا الحاكم أو ذاك،
بل ان وحدتها وروابطها الاجتماعية المتينة أكبر من أي فرد، واقوى من اي سلطة، وابقى
في اي مرحلة، والواجب علينا كشعب أن نحافظ على اليمن ووحدته، لانها عائلتنا وبيتنا
الواحد، وفي الأوقات العصيبة تجتمع العائلة مع بعضها لكنها لا تتفرق ولا تتشتت.
وعلى الجميع ان يعي جيدا انه مهما جارت الأحداث وتكالبت المحن وزادت الصورة
ضبابية أو قتامة، فان علينا التفريق بين الثابت والطارئ، وبين المصير الواحد المستند
لحقائق التاريخ والجغرافية وتضحيات الاباء والأجداد وبين التباسات الحاضر وتداعياته
الطارئة.
وينبغي الاعتراف ان الحراك الجنوبي السلمي الذي خرج عام 2007م خط بتضحياته
الطريق الشعبي الرافض لحرف مسار الوحدة وتحولها الى غنيمة للقلة الذين استحوذ عليهم
منطق الغلبة والانتصار، ليقومون باقصاء وتهميش الأخر، وحرمانه من حقوقه المشروعة غير
المختلف عليها، ليأتي مؤتمر الحوار الوطني الشامل بعد الثورة الشعبية في 2011م، ليضع
المتحاورون وهم من جميع الاطياف السياسية والحزبية والمجتمعية على امتداد الوطن .
وخرجت وثيقة المؤتمر، بمعالجة جذرية تتضمن إعادة صياغة الوحدة ومسارها
على أساس جديد من خلال مشروع الدولة الاتحادية التي ستضمن اليمن الواحد والمتنوع والواسع
لكل أبنائه، القائم على مبدأ المساواة والتوزيع العادل للثروة والسلطة دون إقصاء أو
تهميش على أساس قبلي أو عنصري أو جهوي أو سلالي.
وجاء الامتحان الحقيقي لليمن واليمنيين، عقب الانقلاب على السلطة الشرعية
والخروج على الإجماع الوطني الذي عبرت عنه مخرجات مؤتمر الحوار الشامل، فكان اصطفاف
أبناء الوطن شمالا وجنوبا ضد مليشيات الحوثي الانقلابية، مؤشر حيوي على عظمة هذا الشعب،
مهما حاول المزايدون والطامعون من الساسة المتاجرة بأحلامه والمزايدة على تطلعاته بتسويق
أوهام، لا تحقق الا مجدهم الشخصي وتراكم ثرواتهم.
إن اللوحة الوطنية التي يجسدها دفاع اليمنيين من أبناء المحافظات الجنوبية
وهم يساندون أبناء جلدتهم شمال وغرب وشرق اليمن للدفاع عن الجمهورية واستكمال انهاء
انقلاب الحوثيين المدعومين ايرانيا، يؤكد ان الرهان على عظمة هذا الشعب لن تخيب يوما،
وسيصنع فجرا جديدا، لحاضر أفضل ومستقبل أجمل، ويعيد لهذا الوطن المكلوم عزته ومجده
وأمنه واستقراره، للاتجاه نحو البناء والتنمية والتطور والتي لن تتحقق في ظل التناحر
والخصومة وفي غياب روح التجانس والتآلف والإخاء ورباط الوحدة.