أخبار الإقليم

30 مارس, 2016 08:14:02 ص

إقليم عدن/خاص:

عام من الحزم والعزم، لم يمض دون خسائر أو آلام على المجتمع السعودي ودول التحالف، فعلى الرغم من اتفاق العالم كله على موقف المملكة تجاه اليمن، ونصرتها للشرعية اليمنية، إلا أن هناك جانباً مؤلماً، تحيطه هالة من نور لأرواح شهداء هم (أحياء عند ربهم يرزقون).

رسائل الشهداء الأخيرة: السهيان لابنته (واحشيني).. السبيعي لوالده (أدعيلي).. الفيصل (دعواتكم والمغرب راجع لكم)

فالمملكة لم تبخل على الشعب اليمني لنصرته في أي مجال ودعمته عسكريا.. سياسيا.. اغاثياً واجتماعياً، إلى جانب تقديم شبابها فداء دون نصرة الحق، واستجابة لنداء الجارة اليمن وحفاظاً على حدودها وأمن واستقرار المنطقة بشكل عام.

ففي ذاك الجانب تقف أسر وعوائل بقدر ما هي متألمة لفراق أبنائها إلا أنها فخورة بكل ماقدموه، تشعر بالفخر نتيجة استشهاد أبنائها وهم في ميدان الشرف، فالموت في شريعة الحياة حق، وأن يستشهد هؤلاء بفخر وعزة ورضا ولي الأمر خير لهم ولأسرهم ودينهم ووطنهم.

"الرياض" التقت بأسر الشهداء، روى لها تفاصيل اللحظات الأخيرة التي جمعتهم بأبنائهم الأبطال قبل أن يطلبوا الشهادة في ميدان لا يليق إلا بامثالهم.

تمنى الشهادة ونالها

بداية قالت ريما السهيان ابنة الشهيد العقيد عبدالله السهيان: بحكم انني ابنة لرجل بحجم البطل أبي عبدالله السهيان فلا الكلمات تصف مكانته في قلبي وقلوب إخوتي ولا الاسطر تفي بحقه ومكانته بقلب كل سعودي، فوالدي رجل عظيم كان تواقاً للشهادة ومتلهفاً عليها حتى قبل ان اولد، كان يحث أمي على تمني الشهادة وتمنيها من القلب فيقول "لو تمنيناها من قلب صادق واخذتنا المنية ونحن في فراشنا فنحن في عداد الشهداء باذن الله".

وتروي ريما لحظة ذهاب والدها لليمن قائلة: كان يلمح لنا كثيراً فكرة غيابه، ويوصينا بالدين والخلق وحسن المعاملة مع الناس، وأن يبقى فخوراً بنا كما كان، وعندما حانت اللحظة كان غيابه موجعاً ووداعه صعباً لأننا لم نعتاد على ابتعاده مدة طويلة.

وتتابع ريما: غاب عنا بجسده ولكنه بقي بروحه وفكره معنا، فكان دائم السؤال عنا، كان يتواصل بجميع وسائل الاتصال المتاحة وبرامج التواصل الاجتماعي أو بالاتصال العادي من غرفة القيادة وجوال الثريا، ولم ينقطع اطلاقاً على الاطلاع عن أمورنا ودراستنا، فكان يتابع وضعنا ويتواصل مع السائق والعاملات المنزليات، ويوصيهم ويحرصهم دوماً علينا بالرغم من تواجدنا مع أعمامي الذين لم يقصروا معنا اطلاقاً، ولكنه قلب الأب الذي كان مشغول دوما بنا.

اشتاق لأبنائه ولكن شوقه للجنة كان أكبر

وبذات الحزن والفخر أكملت ريما: في كل مرة كنا نحدثه كان يوصينا ويطمئننا عن وضعه وعن رفعة الدين وكلمة الحق ودحر الاعداء، حتى وافته المنية. وتتابع: لم نره منذ ستة أشهر، وفي اليوم الذي استلم فيه وسام الشجاعة من الرئيس اليمني، أخبرنا بأنه خلال يومين أو أسبوع بالكثير سيأتي لزيارتنا، لكن إرادة الله كانت أسرع فاختاره ليرفع منزلته ويبدله داراً خير من داره بمشيئته تعالى، وبدأنا فعلياً بتجهيز مراسم الاحتفال بعودته وبوسام الشجاعة الذي استحقه، واتصل علي ليخبرني بأن النصر قريب جداً، وقبل وفاته بساعات كانت تمطر السماء عندنا فارسلت له (وقت مطر يا بابا ويارب ترجع لنا بالسلامة) فرد بكلمة واحدة وكانت الأخيرة (واحشيني)، ولكنه كان مشتاقاً للجنة أكثر من أي شيء وكان اصدق بوعده مع الله فصدق الله وعده واختاره وهذا ما كان يتمنى ولله الحمد.

حزن والدته ووفاتها

قبل أسبوعين من الآن لحقت والدة البطل عبدالله السهيان بابنها رحمها الله، فتقول ريما: جدتي إنسانة مؤمنة راضية صابرة  وفخورة بابنها الشهيد، حزنت حزن الأم لفقد ابنها ولكنها واثقة بان الله اختاره شهيداً وهذا يكفيها لتفتخر، وكان والدي يكلمها ويوصيها بالدعاء له ويقول لها اما النصر او الشهادة يا امي، ولا استبعد ان يكون للحزن والكتمان نصيب من سبب وفاتها، حتى انتابتها وعكة قبل وفاتها بأسبوع، ولله الحمد بأن الله اختارها ويسر لها وفاتها فلم تغب عن الوعي الا يوم وليلة كانت موضوعة على التنفس الاصطناعي وبعدها توفاها المولى أسأل الله ان يجعلها مع ابي وامواتنا بالفردوس الأعلى.

قبلة على قدم الأم

وبنبرة حزينة فخورة في ذات الوقت أجاب السيد محمد محيسن السبيعي والد الشهيد النقيب سعد السبيعي وقال: رأيته قبل أسبوع من وفاته، جاء إلينا ليسلم علي وعلى والدته وزوجته، وبعدها رحل للربوعة الحد الجنوبي للمملكة مع اليمن، ليختاره الله شهيدا بإذنه.

وتابع: في كل مرة يحضر فيها يحرص على أن يقبل قدمي والدته، وفي ذاك اليوم نزل ليقبل قدم والدته التي رفضت، خوفاً من رائحة قدمها بعد ارتدائها الحذاء، ولكنه أصر على تقبيلها وقال (ما مزينها الا ريحتها يالغالية) وكانت قبلته الأخيرة.

طلب مني الدعاء ولم اتوقع شهادته

يقول والد البطل الشهيد سعد: اتصل علي قبل وفاته بساعات يطلب فيها مني الدعاء له، وأن الأوضاع سيئة هناك، فدعوت له دون أن ينتابني ولو بنسبة بسيطة أنني سأفقد قطعة مني، فدعوت له وأن يرده ربي سالما، دون أن اتوقع وفاته، فهو قلب الأب.

ذهب سعد إلى اليمن قبل عام، وخوفاً على والدته وزوجته لم يخبرهما ففضل كتمان الأمر عليهما، واكتفى باخباري أنا، ولكن بعد أن طالت المدة وأكمل الستة أشهر ضغطت عليه ليخبر والدته وزوجته خاصة بعد وقع له حادث هناك وأصيب بعدة شظايا، وكان يوماً حزيناً لهما.

أراد رد الجميل للوطن فاستشهد

حاولت ووالدته ثنيه ولكنه رفض وأصر على العودة قائلاً (الوطن الذي أعطانا ينتظر مني رد الجميل) وعاد ليقاتل مع زملائه الأبطال، فدخلوا في معركة مع الحوثيين واحتلوا الجبل الأول وثم الثاني حتى نفذت ذخيرتهم، فتمكن منهم الحوثي وأطلق عليهم مقذوفة أصابته باصابات بليغة، حاول زملاؤه انقاذه ولكن لصعوبة وضعه وخطورة الموقف طلب منهم أن يتركوه لله وأن ينقذوا انفسهم، فبقي يحميهم بسلاحه حتى توفاه الله شهيداً من شدة النزيف الذي تعرض له.

٥٠ يوماً وجثته محتجزة

يكمل والد البطل سعد السبيعي: بقيت جثة ابني وقطعة من قلبي محتجزة لدى الحوثي واعوانه ٥٠ يوماً، حتى تمكن زملاؤه من انتشالها، عندما رأيته لم أتخيل يوما أنني سأشاهد ابني شهيدًا وبعد شهرين من وفاته، ولكن والله أنه لم يتغير ولم ينتفخ ولم يطاله أي عفونة أو تغيير، فعرفت أنه شهيد حي عندالله يرزق.

عاد ليساند زملاءه فاستشهد

وبنبرة فخورة لا تخلو من وجع الفقد روى محمد الفيصل شقيق الشهيد النقيب رياض الفيصل قصة فراق رفيق عمره ودربه وقال: رأيته قبل وفاته بشهر، ولم يكن يدر بخلدي أنه اللقاء الأخير، بالرغم من معرفتنا صعوبة الأوضاع هناك وخطورة المكان، ولكنه قلب المحب.

تواصل الشهيد البطل رياض مع أسرته قبل استشهاده بأربع ساعات طالبا منهم الدعاء لهم بالنصر فالأوضاع خطرة، وفي التفاصيل يقول شقيق رياض: بعد أن أنهى شقيقي استلامه كان عائداً لغرفته لجمع أغراضه المهمة وزيارتنا لمدة أسبوع، ولكن ما أن وصل إلى غرفته إلا ووصله نداء من زملائه بوقوع اشتباكات حامية، فأرسل لنا في مجموعة التواصل الاجتماعي الخاص بالعائلة طالباً منا الدعاء لهم بالنصر.

اتصل للتعبير عن اشتياقه

وتابع محمد: اتصلت عليه الساعة الثامنة صباحاً بعد رسالته وسألته عن مجيئه والأوضاع فقال يرحمه الله (هناك هجوم على زملائي ويجب أن أعود لهم، وبعد أن أنهي المهم سأتحرك فوراً فأنا مشتاق إليكم، وبإذن الله سأكون المغرب في المنزل) وتابع محمد: وفعلا صدق وعده وعادت جثته اليوم الثاني صباحاً.

في الساعة الواحدة ظهراً من ذاك اليوم اتصلوا علي من قيادة التحالف ليخبروني استشهاد شقيقي رياض قبل ساعة من الآن، الأمر الذي كنت فيه فخوراً ومتألماً لفقده، فتوجهت إلى والدتي وأنا أبكي لأبشرها باستشهاد شقيقي وهو في صفوف الأبطال، والحمدلله على قضائه وقدره.

وهناك العديد من قصص أبطال لم ترو.. بذلوا دماءهم وأرواحهم استجابة لجارة استنجدت ولوطن أعطانا الكثير.. رحلت أرواحهم ولكنهم في ذاكرة التاريخ مخلدين.. فنحن اليوم ننعم بنعمة الأمن والأمان والاستقرار ولكن ثمن لتلك النعم.. أرواح تواجه الموت والألم في كل لحظة وحين.

(الرياض)