كتابات وآراء


25 يوليه, 2015 02:15:00 ص

كُتب بواسطة : عبد الرحمن الراشد - ارشيف الكاتب


صار العديد من الحكومات تحث وسائل الإعلامعلى تجنب استخدام مصطلح �الدولة الإسلامية في العراق والشام�، الاسم الذي أطلقه التنظيمالإرهابي على نفسه منذ سنتين، بعد أن أعلن زعيمه نفسه خليفة، وتوسيع نفوذه من الاسمالسابق �دولة العراق الإسلامية�، ليضم سوريا إليه.

وعندما أعلن التنظيم في أبريل (نيسان) عام2013 عن إطلاق اسم �الدولة الإسلامية في العراق والشام� على نفسه، قرر الإعلام، وفيقناة �العربية� تحديدًا، أن نسميه �داعش�. كنا ندرك أن التنظيم يريد أن يستخدمنا، أيمنصات الإعلام في أنحاء العالم، لبناء صورة تخدم أغراضه. وقد جاءت الاعتراضات حينهامن أناس غررت بهم أدبيات الإرهابيين حينها، احتجوا على التسمية والتغطية لأنها مهينةللمدافعين عن الإسلام ضد المحتل الغربي، أو السنة المضطهدين، أو الدفاع عن عرب الأنبار،أو هم الثوار ضد نظام الأسد في سوريا. وفعلاً، هناك نشاطات مشتركة كانت تشوش على فهمالكثيرين، إنما أغلبهم اكتشف لاحقًا أن �داعش� ليس إلا تنظيم القاعدة الشرير، حتى لوتبنى قضايا حقة.

و�داعش� ليست تسمية ساخرة، كما قيل وكتبفي وسائل الإعلام الغربية، بل تمثل حروف التنظيم الأولى التي تختصره. وبالطبع التسميةالمختصرة لا ترضي التنظيم، لأنه عن عمد يريد أن يجعل اسمه �الدولة الإسلامية في العراقوالشام� عنوانًا بريديًا للمسلمين في كل مكان، هذه هويته وهذه أرضه ومشروعه وهو منيمثلهم! حتى إن التنظيم مرة قام بجلد أحد الأطفال في الأنبار لأنه تجرأ على تسميتهبـ�داعش� التي اعتبرها إهانة له، ونشر الفيديو عبرة لمن هم خاضعون لحكمه.

ومعركة التسميات قديمة مع المتطرفين. قبلأربعة عشر قرنًا حارب المسلمون الأوائل تنظيمًا مثل �داعش� تمامًا، يكفر المسلمين ويعلنالخروج على الدولة، سمى نفسه بـ�جماعة المؤمنين�، إلا أن المسلمين سموه بـ�الخوارج�.التاريخ يعيد نفسه، ونحن نواجه مشكلة فكرية لا يمكن الاكتفاء بمحاربتها بالسلاح، بلبالفكر، ومن ذلك تحديه اسمًا وموضوعًا. وقد انساقت وسائل إعلام عربية وأجنبية وراءالتسمية، تكررها في نسبة الجرائم البشعة لـ�تنظيم الدولة الإسلامية�، وليست التسميةعملاً خاطئًا بقدر ما هي غير ضرورية، في ظل وجود تسميات صحيحة ومهنية، وتجنب المسلمينالأذى المزدوج؛ الأول في الدول الإسلامية حيث يكسب التنظيم من اسمه تحريض شباب المسلمينللانخراط في صفوفه، والثاني في المجتمعات الأخرى، بتحريض غير المسلمين ضد المسلمينفي مجتمعاتهم التي يشتركون في العيش معهم فيها، مثل أوروبا وروسيا والصين والهند، وتحقيقتقسيم العالم وفق رؤية بن لادن، حين سماه بـ�الفسطاطين�.

وكانت الحكومة الفرنسية أول من حذّر مناستخدام الاسم، �الدولة الإسلامية في العراق والشام�، وأن خطر الاسم مثل خطر الفعلالإرهابي. ولاحقًا، تمنى رئيس وزراء أستراليا على الإعلام عدم استخدام اسم التنظيم،لأنه يخلط بين المسلمين والإرهابيين.

وليس صحيحًا أن الجميع من العلم والدرايةبحيث يعي أن �داعش� تنظيم إرهابي مثل التنظيمات الفاشية المنتشرة في العالم. فعامةالمسلمين البسطاء، وصغار السن، قد يصدقون أن التنظيم إسلامي يدافع عنهم بسبب اسمه،�الدولة الإسلامية في العراق والشام�، وعلمه الذي يحمل �الله أكبر�. اسمه يختصر التاريخوالدين، ويسهل مهمة المدافعين عنه من متطرفي المسلمين، الذين هم أخطر من مقاتلي التنظيم،وأكثر جمهورًا. والأذى الثاني، أن ربط �الإسلام� بنشاطات التنظيم يوحي لغير المسلمينفي أنحاء العالم بأن الجرائم من فعل دين الإسلام وأتباعه. ودائمًا، سهل إلصاق الجريمةبجنسية أو عرق أو دين أو فكر إذا كثف الإعلام ربطها به، كما هو الحال مع �داعش�.

�داعش� تنظيم ذكي جدًا، ينفق جهدًا كبيرًالترويج الصورة نفسها؛ أنه يمثل الإسلام والمسلمين، في صراع مع العالم كله. وهو يعرفنفسية الجمهور الذي يتوجه إليه، المسلمين في أنحاء العالم، بإعلان نفسه دولة، أو خلافة،تضرب في عمق التاريخ ويمكن أن تجد قبولاً عندهم، وقد يدعمونها ويقاتلون دفاعًا عنها،أيضًا. لهذا حرص على أن ينشر اسمه كاملاً �الدولة الإسلامية في العراق والشام�، مدركًاأن وسائل الإعلام الشعبية هي خير من ينقل هويته وعنوانه في سوريا والعراق ورسائله إلىملايين المسلمين في أنحاء العالم. وهذا ما يميز �داعش� عن تنظيم القاعدة، الذي لم يبالِكثيرًا بسيكولوجية الرمزية، ولا ببناء ماركة من تصميمه. حتى اسمه �القاعدة� قرره لهالإعلام الدولي منقولاً عن مصطلحاته مثل �قاعدة الجهاد�، ولم يروج لرايته، واشتهر لهاسمان؛ �القاعدة� و�أسامة بن لادن�، واندثر بمقتله، وتفرق شمل التنظيم بعده، وفشل خليفتهالظواهري في شغل الفراغ القيادي بأن يحل محله.

 

 (الشرق الأوسط)