كتابات وآراء


10 سبتمبر, 2014 12:11:00 م

كُتب بواسطة : عبد الرحمن الراشد - ارشيف الكاتب


نتفق مع وزير الخارجية الإيرانيمحمد جواد ظريف في نقده للتردد الأميركي الطويل في مواجهة التنظيمات المتطرفة فيالعراق وسوريا، لكن يصعب أن نهضم قوله إن إيران حذرت من خطر التطرف والتحجرالديني.. و�إننا وقفنا من البداية ضد هذا التحرك الهمجي�، كما قال للتلفزيونالإيراني.

الكل يلوم السعودية على انتشار التطرفالإسلامي في أنحاء العالم، وهذا فيه شيء من الصحة، لكنه لم يكن سياسة دولة، بلنتاج نشاط مجتمعي. إنما إيران كدولة هي السبب الرئيس في مأسسة التطرف الإسلامي،بعد أن كان الغلو مجرد حالات فردية. ساهمت في بناء وانتشار التنظيمات الإسلاميةالمتطرفة تحت شعار تصدير الثورة الإسلامية. الآن، وبعد أن أصبح الجني خارجالقارورة، أحس الإيرانيون بحجم الخطر عليهم، وعلى حلفائهم في العراق وسورياولبنان.

ومسؤولية إيران تكمن في أنها داعمحقيقي أيضا للجماعات السنية المتطرفة، في شمال لبنان منذ الثمانينات ضد حلفاءالسعودية، وأسست ودعمت جماعات فلسطينية دينية متطرفة لإضعاف فتح، ثم ضد السلطةالفلسطينية لاحقا، ضمن التنافس الإقليمي على القرار الفلسطيني. وهي منذ الثمانيناتالداعم لجماعات الإخوان المسلمين، وتحديدا في مصر والسودان. ومن قبيل تعظيم قيمةالإرهابيين السنة سمت شارعا في طهران باسم خالد الإسلامبولي، الإرهابي الذي اغتالالرئيس المصري أنور السادات. البراهين كثيرة على أخطاء إيران في رعايتها للفكروالنشاط المتطرف سنيا وشيعيا.

وبالتالي على الإخوة في إيران ألايرموا بالحجارة �داعش�، و�جبهة النصرة�، ومثلهما من الجماعات السنية المتوحشة،والعش الإيراني يبيض مثلها. فالتطرف الديني كمؤسسة هو نتاج مباشر للثورة الإيرانيةنفسها، التي أتت بجماعة دينية شيعية متطرفة إلى الحكم في عام 1979. ومنذ ذلك اليومتغير العالم الإسلامي نحو التحجر والتطرف الديني سياسيا. ولا أدري إن كان الوزيرظريف قد نسي تهديدات القيادات الإيرانية ضد كبار المؤلفين والمنتجين التلفزيونيينفي إيران وأوروبا، بحجة الدفاع عن الإسلام وهي في واقعها أحكام سياسية ضمن الصراعمع الغرب. وهناك قائمة أطول من المعتدلين والإصلاحيين والمفكرين الذين إما سجنوا،وإما فروا من بلدهم إيران.

حسن أشكوري في المنفى في ألمانيامع عدد من المفكرين الإيرانيين بسبب ملاحقة النظام لهم على أفكارهم. أشكوري كتب ضدمبدأ ولاية الفقيه دينيا، ولم يعتبر الحجاب ملزما للمرأة، فحكم عليه بالإعدام،وخفف غيابيا! أليست هذه أفكار �داعش�، أليس هذا تحجرا؟

التطرفان السني والشيعي يتشابهان،ينحوان نحو المزايدة على بعضهما في الغلو والوحشية، ويمارسان قمعا متواصلا ضدالفكر المدني. خسر المعتدلون من متديني إيران، وتم إقصاء معظمهم من الإعلاموالتعليم والسياسة، حتى خلص النظام للفريق الشيعي المتطرف، الذي أصبح يتحكم فيإدارة مناحي الحياة اليومية. ولم يكتفِ النظام بإقصاء المعتدلين في داخل إيران، بلجعل دعم المتطرفين حجر الزاوية لسياسته، فدعم فقط الجماعات الدينية في المجتمعاتالشيعية في لبنان والعراق والخليج، وهمشت القوى الشيعية المدنية، وهكذا ولد �حزبالله� في لبنان!

لذا، لا يمكن للوزير ظريف أن يقفزعلى التاريخ المعيش ويقرر كما يحب من المتطرف ومن هو المعتدل. نعم، أبو بكرالبغدادي، قائد تنظيم �داعش�، شخصية متطرفة مرعبة، وكذلك كان عماد مغنية في �حزبالله�، الذي ذاعت شهرة وحشيته في الآفاق. كلاهما اختطف مدنيين، وكلاهما قتل رهائنمدنيين، وكلاهما استخدم زورا الله والإسلام في تبرير جرائمه. إيران هي من ربى ودربوتدعم اليوم الحوثيين في اليمن، فريق قبلي يتبع المذهب الزيدي ثم تحول إلىالشيعية، وهو اليوم مثل �داعش�، يرفع علم الخلافة، ويسمي زعيمه خليفة، ويعلنالعصيان على الدولة، وينهب المدن والبلدات التي تعارضه. ومع هذا إيران تؤيدهوتدعمه!

على أي حال، وإن اختلفنا مع إيرانفي تصنيف التطرف، فإننا نتفق معها في أهمية العمل معا على محاربة الجماعاتالإرهابية، وعلى رأسها تنظيم �داعش�، وأن يكف �حزب الله� حربه الدينية ضد السوريينواللبنانيين الآخرين. وعلى العالم أن يدرك أن مقارعة ثنائية التطرف والإرهاب تتطلبمن الدول الإسلامية، وعلى رأسها السعودية وإيران، ممثلتا الطائفتين، التعاون، وأنيبدأ البلدان أولا بالاعتراف بمشكلة تغلغل ثقافة الغلو، ومواجهتها تعليميا،وإعلاميا، ودينيا، مع رفض الاستثناءات، فالجماعات المتطرفة، التي ترفع علم الدين،كلها متشابهة سنية وشيعية.

نحن نتمنى أن تغير إيران سياستهاوتوقف دعم الجماعات السنية والشيعية المتطرفة, ونفتح صفحة تعاون إسلامي يشيعالاعتدال واحترام الغير.