13 فبراير, 2015 01:26:21 ص
إقليم عدن /صنعاء:
أثارت سيطرة الحوثيين
على القصر الرئاسي في اليمن، في العشرين من كانون الثاني/ يناير 2015 وما تبعها من
استقالة للحكومة والرئيس عبد ربه منصور هادي، مخاوف أميركية من أن يؤدِّي انهيار الدولة
إلى تقويض آليات التعاون التي كانت قائمةً بين الأجهزة الأمنية اليمنية ونظيرتها الأميركية
في الحرب ضدّ تنظيم القاعدة. وتزداد مظاهر التحدي في وجه الولايات المتحدة مع تبني
تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يتخذ من اليمن مقرًّا له مسؤولية هجمات باريس في
وقت سابق من الشهر نفسه.
وتَعُدُّ الولايات
المتحدة تنظيم القاعدة في اليمن، التنظيم الأكثر خطورةً على أمنها، وتتهمه بالوقوف
وراء عدد من الهجمات التي وقَعت على أراضيها، أو التي أُحبطت قبل تنفيذها. وتزداد المخاوف
الأميركية في ظلّ التقارير التي تشير إلى تمدُّد تنظيم الدولة الإسلامية إلى اليمن
ودخوله في منافسة مع فرع القاعدة هناك[1].
نموذج أوباما
"الناجح" في محاربة الإرهاب
في خطابه أمام الكونغرس
عن "حال الاتحاد" يوم 20/ 1/ 2015، قال الرئيس أوباما: "نحن نتعاون
مع دول من جنوب آسيا إلى شمال أفريقيا لمنع الإرهابيين الذين يهدِّدون أميركا الحصولَ
على ملاذات آمنة"[2]. وعلى الرغم من أنّ الخطاب جاء في اليوم نفسه الذي سيطر فيه
الحوثيون على القصر الرئاسي في اليمن، فإنّ أوباما تجاهل الموضوع تمامًا؛ لأنّ ذلك
يقوض مزاعم إدارته في تحقيق نجاحات كبيرة في حربها ضدّ الإرهاب. فالولايات المتحدة،
بحسب الإستراتيجية التي طرحها أوباما عندما أعلن الحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية
في 10/ 9/ 2014، لن ترسل قوات بريةً لتخوض حروبًا جديدةً في الشرق الأوسط. أمّا بديله
من ذلك، فهو متمثِّل بقوله الذي يَعُدُّ اليمن شاهدَ نجاحٍ عليه: "استخدام قوتنا
الجوية والدعم الذي نقدمه لقوات حلفائنا على الأرض. هذه الإستراتيجية في القضاء على
الإرهابيين الذين يهدِّدوننا، في وقتٍ نُقدِّم فيه الدعم لشركائنا في الخطوط الأمامية،
هي إستراتيجية اتبعناها سنوات بنجاح في اليمن والصومال"[3].
إنّ الولايات المتحدة
تخوض فعلًا، منذ سنين، حربًا ضدّ تنظيم القاعدة في اليمن مستخدمة طائرات من دون طيار؛
وذلك بالتنسيق والتعاون الكامل مع الحكومة اليمنية. فهي تقدِّم التدريب والدعم والسلاح
لأجهزتها الأمنية والعسكرية، فضلًا عن وجود عدد غير معروف من المستشارين العسكريين
الأميركيين على الأرض اليمنية[4]. وبحسب دراسة لـ "مركز أبحاث الكونغرس"،
قدَّمت الولايات المتحدة لليمن، في الفترة 2009 – 2014، مساعدات بقيمة مليار وأربعمئة
مليون دولار، جاء أغلبها من وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية. كما
يشير التقرير إلى تلقي اليمن نحو 370 مليون دولار من وزارة الدفاع الأميركية لمحاربة
القاعدة[5].
غير أنّ استقالة
الرئيس هادي وحدوث فراغ سياسي ودستوري في اليمن، وضع إستراتيجية أوباما التي تتطلب
وجود شركاء على الأرض أمام تحديات كبيرة، نُجمل أهمها في النقاط الآتية:
إنّ الهجمات التي
تشنها طائرات أميركية من دون طيار في اليمن ضدّ تنظيم القاعدة تحتاج إلى تخويل سلطة
شرعية. وقد كان الأمر المعمول به إلى لحظة استقالة هادي أنّ هذه الضربات يوافق عليها
الرئيس شخصيًّا، بحسب ما أشار هادي نفسه في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست، بعد تسلُّمه
زمام الحكم، خلفًا لعلي عبد الله صالح عام 2012[6]. أمّا الآن، فقد بدأت البلاد - في
ظلّ عدم وجود رئيس وحكومة - تنزلق إلى الفوضى، وهو ما سوف يُعقِّد، من دون شك، جهد
الولايات المتحدة في الحرب ضدّ تنظيم القاعدة.
تعتمد الولايات المتحدة
في هجمات طائراتها من دون طيار على الجهد الاستخباري البشري الذي تقدمه أجهزة الاستخبار
اليمنية[7]. وفي ظلّ فراغ السلطة، لا يبدو واضحًا إن ظلت هذه الأجهزة تعمل على نحوٍ
مؤسسي، وإن كانت قادرةً على تحقيق أهدافها السابقة وتقديم المعلومات بالكفاءة نفسها.
أمّا مسألة إرسال قوات برية أميركية، أو فِرق استخبارية، لتعويض النقص المعلوماتي من
أجل مجابهة القاعدة على أرض اليمن، فإنها تبدو، حتى الآن، خيارًا بعيد الاحتمال، خصوصًا
في ظلّ الفوضى التي تضرب ذلك البلد، وخوف الولايات المتحدة من أن تتحول قواتها إلى
أهداف متحركة لتنظيم القاعدة.
تخشى الولايات المتحدة
أن يتحوَّل اليمن إلى دولة فاشلة، وتحوُّل الصراع فيه إلى صدام طائفي مفتوح ما بين
الحوثيين وسائر الأطراف[8]. فوقوع مثل هذا السيناريو قد يعني إعادةَ إنتاجٍ للمشهد
السوري، أو العراقي؛ وهو ما يسمح للقاعدة بالتمدد أكثر فأكثر في الوسط السنِّي الساخط
بسبب سيطرة أقلية على البلد.
ثمَّة قلق أميركي
من أن يتجاوز الصراع في اليمن حدود ذلك البلد ليصبح حربًا بالوكالة بين المملكة العربية
السعودية التي تشعر بأنها مهدَّدة بالتمدد الحوثي على حدودها الجنوبية من جهة، وإيران
الداعمة الرئيسة للحوثيين من جهة أخرى[9].
خيارات إدارة أوباما
في التعامل مع الوضع اليمني
في حال فشل قيام
حكومة يمنية مركزية قوية تحظى بشرعية محلية ودولية، وانتقال اليمن إلى حالة الفوضى
والتشظي، سوف تجد إدارة أوباما نفسها، في سياقِ ما تصفه حربًا ضدّ الإرهاب في اليمن،
أمام خيارات رئيسة ثلاثة، هي:
أن توقف الولايات
المتحدة، من جانب واحد، هجمات طائراتها من دون طيار ضدّ تنظيم القاعدة في اليمن؛ نظرًا
إلى عدم وجود سلطة محلية تحظى بشرعية تخولها استمرار القيام بهذه الهجمات، فلا تُتَّهم
بخرق سيادة البلد والاعتداء على أراضيه. لكنّ هذا الاحتمال ضعيف. فعلى الرغم من فراغ
السلطة في اليمن حاليًّا، فإنّ واشنطن تتصرف كما لو كان كلّ شيء طبيعيًّا، وحتى السفارة
الأميركية في صنعاء، على الرّغم من أنها قامت بتخفيض عدد العاملين فيها، مازالت تزاول
عملها كالمعتاد[10]. كما أنّ إدارة أوباما لم تعلن عن نيتها سحْب مستشاريها العسكريين
الموجودين في اليمن الذين يُفرض تعتيم كلِّي على أعدادهم. وعلى الرغم من أنّ بعضهم
يخشى تكرار سيناريو أيلول/ سبتمبر 2012؛ ذلك الهجوم على القنصلية الأميركية في ليبيا
الذي قُتل فيه السفير الأميركي وعدد من مساعديه وحراسه، فإنّ الخارجية الأميركية تؤكِّد
أنّ السفارة الأميركية في صنعاء مُؤمَّنة تأمينًا جيدًا، فضلًا عن إعلان الولايات المتحدة
وجود بارجتين حربيتين في البحر الأحمر، احتياطًا لأيِّ طارئ حتى تُخليَ سفارتها وتُجليَ
موظفيها وعناصرها عن اليمن، إن لزم الأمر[11].
أن تواصل الولايات
المتحدة هجماتها على تنظيم القاعدة عبْر طائرات من دون طيار، من دون تخويل يمني شرعي،
وهو الاحتمال المرجَّح في حال عدم وجود حكومة مركزية شرعية يمكن للولايات المتحدة أن
تعمل معها. فالولايات المتحدة تقوم بهذا الأمر في أماكن عديدة من العالم، ضاربةً بمسائل
السيادة وانتهاك القوانين عُرض الحائط.
أن تتعاون الإدارة
الأميركية - بطريقة غير مباشرة - مع الحوثيين في الحرب ضدّ تنظيم القاعدة في اليمن،
وهو خيار تزداد احتمالات حصوله، في ظلّ وجود تحالف موضوعي بين الولايات المتحدة من
ناحية، وإيران وعموم التنظيمات الشيعية السياسية في المنطقة من ناحية أخرى، ضدّ تيارات
وتنظيمات سنِّية؛ مثل القاعدة، وأنصار الشريعة في اليمن، وتنظيم الدولة الإسلامية،
والنصرة، في العراق وسورية، وغيرهما، ولا سيما أنّ العِداء الذي يعلنه الحوثيون لأميركا
لا يعدو أن يكون شعارًا. فلم يُعرف عنهم تعرضهم للمصالح الأميركية في اليمن أو غيرها،
بل إنهم، عندما اجتاحوا العاصمة صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2012، أولَوا حماية السفارة
الأميركية أولويةً مطلقةً، على الرغم من أنّ راياتهم كانت تحمل شعار "الموت لأميركا،
الموت لإسرائيل". بل ثمَّة من يذهب في واشنطن إلى أبعد من ذلك بالقول إنّ الحوثيين
قد يكونون أكثر فعاليةً من حكومة هادي في محاربة تنظيم القاعدة؛ بسبب العداوة المذهبية
والسياسية بينهما[12]. وتزداد قوَّة هذا الاحتمال في ظلّ رفض إدارة أوباما وصف ما جرى
في اليمن بأنه انقلاب[13].
في السياق نفسه أيضًا،
يُمكن فهْم صمت إدارة أوباما عن التمدد الحوثي في اليمن، وخصوصًا في ما يتعلّق بسيطرتهم،
في كانون الأول/ ديسمبر 2014، على مدينة الحديدة الساحلية الواقعة على البحر الأحمر،
واقترابهم من مضيق باب المندب الذي يُشكِّل إضافةً إلى مضيق هرمز، عصبًا لنقل نفط منطقة
الخليج العربي إلى العالم. وممَّا يضاعف الارتياب في الموقف الأميركي تصريح الناطق
الرسمي باسم البيت الأبيض، جوش إيرنست، في مؤتمر صحافي يوم 23 كانون الثاني/ يناير
2015، أنه ليس لدى إدارته أيُّ معلومات تؤكِّد أنّ إيران "تمارس أيَّ نوعٍ من
القيادة والسيطرة على الحوثيين"[14]، ويتضمّن هذا التصريح إمكانيةً متمثِّلة بأن
تُقرِّر الولايات المتحدة العمل مع الحوثيين لمحاربة تنظيم القاعدة في اليمن، في سياق
ترتيبات إقليمية يكون لإيران في صوغها وقيادتها دور كبير.
خاتمة
تبدو إدارة أوباما
مسكونةً بهاجس محاربة التنظيمات الجهادية "السنِّية" تحديدًا. فهي تَعُدُّ
هذه التنظيمات "الخطر الأكبر" بالنسبة إلى أمنها ومصالحها، وهي تتَّبع في
مواجهتها إستراتيجيات تعتمد على الاشتباك البعيد؛ باستخدام طائرات من دون طيار، والتعاون
الأمني والاستخباري مع قوًى محلية تقوم واشنطن بتدريبها وتسليحها لتجنُّب إنزال قوات
أميركية على الأرض في مواجهة هذه التنظيمات. لكنّ هذه الإستراتيجية التي تهتم بإيجاد
حلول آنية لمشكلات عصية تبدو قصيرة النظر لأنها تؤدِّي إلى إنتاج مشكلات أكبر من تلك
المشكلات نفسها؛ وذلك من خلال تجاوزها لدور الدولة، والمساهمة في تقويضها أيضًا، مقابل
تعزيز أدوار أطراف أخرى تُمثِّلها ميلشيات تتكاثر في أنحاء المنطقة كما يتكاثر نبات
الفطر، وهو أمرٌ ستكون له، من دون شكٍّ، تداعيات كبيرة على المصالح الأميركية أيضًا.
(المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسيات)