أخبار الإقليم

26 سبتمبر, 2014 06:42:53 م

إقليم عدن/ رأفت شرف - خاص:
قد تبدو ملامح الهدف الأكبر لمليشات الحوثي واضحة من خلال سيطرتها على مفاصل الدولة في العاصمة صنعاء، باعتباره هذه الحالة جزءٌ من حالة الفوضى المرسومة للمنطقة انطلاقاً من إدراك الغرب بأن إيران هي المعادلة الصعبة في الشرق الأوسط واتخاذها كحليف استراتيجي وزرع تمددها في جنوب الجزيرة العربية، مقابل مشاركتها مع الغرب في رسم الخارطة الجديدة؛ فيما تؤدي إيران دورها بشكل جيد كما أدته مسبقاً خلال غزو العراق وأفغانستان، والتسهيلات التي تلقتها أمريكا من إيران في حربها ضد صدام حسين.
وتأتي سيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة في صنعاء وبسط نفوذها، امتدادا للتواجد الإيراني في لبنان والعراق ومناوشاتها في سوريا التي تريد أن تتقاسمها مع الغرب حتى يكتمل الهلال الإيراني الذي يطوق الدول السنية ودول الخليج من أقصى بحر العرب مرورا بلبنان وسوريا والعراق حتى يصل إلى طهران. فلا يمكن النظر إلى أحداث صنعاء بمعزل عن الاستراتيجية العامة للقوى الكبرى، والأحداث المتسارعة في الدول العربية الأخرى.
التدخل الإيراني في اليمن تجاوز مساندة الأقلية الحوثية الشيعية وإغرائها بالمال وتدريب مليشياتها على القتال في سبيل تنفيذ خططها، حتى استطاعت طهران أن تبدو علنا مشجّعة على قيام ثورة جديدة لقلب نظام الحكم ورفض المبادرة الخليجية وكل ماتم التوصل له عقب الثورة اليمنية التي أطاحت بالرئيس السابق علي عبد الله صالح، ورسمت الخطط التي استطاع الحوثيون أن يسيطروا على مناطق شاسعة من اليمن حتى سيطروا ، ليصبح شمال اليمن بلدة إيرانية في خاصرة السعودية ودول الخليج لتبقى طهران مساومة في الحرب ضد (داعش) واستهداف النظام السوري، عن طريق إرباك المشهد واستخدام اليمن كورقة للضغط حتى يتحقق لها القوة في التفاوض وتحقيق المزيد من المكاسب الجغرافية والسياسية.
ووجدت التوجيهات الإيرانية ترحيبا من الطيف الحوثي الذي تربطه مع إيران روابط أيديولوجية عقائدية، وظل مقاتلو الحوثي يتريثون على تخوم صنعاء خلال الفترة القريبة لتلقي رسائل أكثر وضوحا من طهران تدعو صراحة إلى التصعيد بناء على تقييم الساسة الإيرانيين للأوضاع في الشرق الأوسط بشكل عام، وإلى مستجدات الموقف الإيراني في مشاهد التفاوضات الأخيرة.


مطالب تبدأ بجرعة وتنتهي بمنفذ بحري
خلال عمليات المفاوضات بين الحكومة وجماعة الحوثي سعت الأخيرة إلى إطالة فترة المفاوضات من خلال المتغيرات التي يقدمها الحوثيون وإضافة شروط معلنة وغير معلنة بهدف توفير مساحة زمنية تساعد الجماعة على استكمال ترتيب اوضاعها ميدانيا وتوفير العتاد العسكري اللازم، متعمدة طرح مطالب جديدة بين كل لجنة وأخرى وعند كل جولة مفاوضات.
الجماعة استغلت الارتباك الرسمي والخلل في منهجية واسلوب التفاوض وتطلعات المكلفين من قبل الرئاسة لتحقيق انجازات تدفع بهم الى مواقع ومناصب سيادية، وهذا وفر لجماعة الحوثي مساحة للتلاعب والتلكؤ والتعجيز . الندية في المفاوضات تعتبره جماعة الحوثي ضعف رسمي - وهو كذلك - ومن يسعون لاضعاف موقف الدولة التفاوضي هم الاشخاص الموجودين والمؤثرين ضمن دائرة التفاوض ، واصبحوا يهتمون بالمغريات التي تصدر اشاراتها من جماعة الحوثي اكثر من اهتمامهم بالنتائج كمنظومة شاملة يتم انجازها والوصول الى اتفاق نهائي . بعض رجال التفاوض المكلفين من الرئاسة يستسلمون سريعا ويذوبون مع الاغراءات التي تصدر من جماعة الحوثي ويسبحون بخيالاتهم من اجل الوصول الى منصب رئاسة الحكومة الذي اصبح طعما ومطمعا لمن يكلفون بمهمة التفاوص مع جماعة الحوثي .
نتيجة لهذا الارباك تصاعدت مطالب وشروط الجماعة ، واشتراطها على ضرورة موافقتها على اسم رئيس الحكومة والوزارات السيادية والاجهزة الحساسة يكشف مدى الانتهازية التي يقف ورائها المكلفين بالتفاوض واضعاف موقف الدولة والرئيس ، وان هذه الاشتراطات تثبت مدى الانحياز من قبل الاعضاء لتحقيق تطلعاتهم والقفز على المصلحة الوطنية ، ولو كان غير ذلك ، مالذي سيدفع بجماعة الحوثي بضرورة موافقتها على اسم رئيس الحكومة والوزارات السيادية؟! لا يمكن ان يكون هذا الاشتراط مصادفة ! والحقيقة ان هذا الاشتراط هو ثمن لمقايضة تسعى لها الجماعة لتمرير ما تريده عبر هؤلاء الطامحين والمهرولين بالوطن وقضاياه المصيرية .
لا يستبعد توريط الرئيس والبلد بالموافقة على تلبية بعض شروط الجماعة التعجيزية مثل الموافقة على منح الجماعة منفذ بحري لانشاء ميناء خاص بها ، ومن تجاوزوا الخطوط الحمراء التي اعلن عنها الرئيس هادي اثناء حرب عمران هم انفسهم من سيتجاوزون الخطوط الحمراء لسيادة وامن اليمن، وهم انفسهم من ضللوا الرئيس ودفعوه بزيارة عمران لتسليمها لجماعة الحوثي رسميا .
وجود ميناء خاص بجماعة هو انتهاك لسيادة الدولة وتهديدا لامنها القومي ، والاصرار على منفذ بحري هو خدمة لدولة ايران وتوابعها من اجل ضمان عدم سيطرة ورقابة الدولة على حركة النقل للميناء ، والسلاح والمعدات العسكرية هو الهدف من هذا المنفذ ومن الميناء لخدمة السياسة التوسعية لايران التي تسعى للهيمنة على المنطقة بعد هيمنتها على الشام ، وفي حال تمت الموافقة على شرط جماعة الحوثي بمنحها منفذ بحري فلن يكون هناك مبرر للحفاظ على السيادة والامن لان اليمن ستعيش تحت الانتهاك .

صمت الحراك الجنوبي محيّر ودول الخليج تتجه إلى تبني مطالبه
ليس هناك ما يستثني الوجود الحوثي - ولو بشكل محدود - في المحافظات الجنوبية، على الرغم من الاختلاف المذهبي، وقد أعلن تنظيم القاعدة يوم الاثنين عن أسر 8 حوثيين بينهم مدير فرع المخابرات بعد أن فرض الحوثيون حصارا على المنطقة لمنع خروج الأسرى قبل أن يتمكن عناصر التنظيم من كسر الحصار مساء الأحد، وإخراج الأسرى، إلى جهة لم يحددها البيان.
في شهر إبريل من العام الجاري، أعلن زعيم حركة الحوثيين عبدالملك الحوثي عن وجود قاعدة عسكرية أميركية بمحافظة لحج جنوب اليمن، وأن مثل ذلك التواجد العسكري من شأنه التأثير على السيادة اليمنية.
وقال الحوثي :«نحذر من مشروع أميركي جديد في اليمن يجرى في منطقة خور عميرة بمحافظة لحج لبناء قاعدة عسكرية أميركية جديدة في منطقة يمنية مهمة ويؤثر على القرار السيادي للبلاد». وأضاف «إن انتشار عناصر من (تنظيم القاعدة) في محافظات يمنية كالجوف وشبوة العاصمة (صنعاء) «يأتي تلبية لرغبة أميركية وبرضا رسمي، يلبي طلبات القوى النافذة في اليمن ومقابل تسهيلات كبيرة لتحقيقهم مصالح أميركية كبيرة».
لم يعد بالإمكان تفسير ما قاله "الحوثي" أكثر مما هو جلي وواضح.
لكن الأهم من ذلك، أين دور الجنوبيين مما يحدث في صنعاء؟،
لم لا يتخذ قادة الحراك الجنوبي مواقفا جادا مستغلين الأحداث المتسارعة التي تشهدها صنعاء تمهيدا لتنفيذ مطالبهم، لمَ لم تتخذ أي تدابير أمنية لحماية مناطق الجنوب من تمدد الصراع في الشمال إليها، خصوصا وأن هناك مواقف سعودية خليجية مستجدة من ما يحدث في الجنوب، فالمملكة العربية السعودية ستسعى للحفاظ على أمنها واستقرارها من خلال دعم مواقف الجنوبيين ما إذا تجسدت على أرض الواقع بعيدا عن هيمنة القوى القبلية والعسكرية والدينية في الشمال، وينعكس ذلك على كل دول الإقليم.
 شمال اليمن سيبقى صراعه مستمرا ولن ينتهي بسيطرة الحوثيين، فهناك قبائل تستجمع قواها وستعود لمقاتلة الحوثيين، ولن تكون هنالك دولة ما دامت الصراعات مشتعلة، بعكس مناخ الدولة في الجنوب، ودول الخليج ستتحول إلى داعمة لاستعادة الجنوبيين لدولتهم في حال استغلوا هذه الظروف المواتية، فالكل يبحث عن أمنه واستقراره بعيدا عن الصراعات القبلية والطائفية التي لا تنتهي.
الوضع في الجنوب بات بحاجة للتدخل الإقليمي بتبني مبادرة جديدة بأي صيغة لتحقيق ما يرمي إليه الجنوبيين، فبقاء الوضع مضطربا ليس من مصلحة الجميع وأولاها دول الجوار التي تبحث عن حماية حدودها ولجم التمدد الشيعي الرافضي وحماية المنافذ البحرية التي يمتاز بها الجنوب.

*عن ورقية الحقيقة الأسبوعية