أخبار الإقليم

18 مارس, 2016 06:21:28 م

إقليم عدن/خاص:

مثّل الإنجاز الميداني العسكري في مدينة تعز لصالح قوات الجيش الوطني والمقاومة، وعلى حساب مليشيات الحوثي وصالح الانقلابية، تقدماً مهماً في سياق المسار العسكري، وإن بدا على نحو مفاجئ، غير أن مقدمات عدة أسهمت في الوصول إليه بعد حصار الميليشيات لمدينة تعز المكتظة بالسكان، وحرمانها من أبسط مقومات الحياة، فضلاً عن استمرار قصف أحيائها السكنية.

وحسب الخبير العسكري العميد إسماعيل عبد الرحمن سفيان المصعبي، فإن تحرير تعز من الانقلابيين سيمثل تحولاً نوعياً مؤثراً في مسار العمليات العسكرية الهادفة إلى التسريع بتحقيق الحسم العسكري واستعادة الشرعية وإنهاء الانقلاب.

اعتبر العميد المصعبي في حديث لـ«الخليج»، أن «الانتصارات التي حققها الجيش الوطني والمقاومة الشعبية بتعز ستنعكس على سير العمليات العسكرية في الجبهات الاستراتيجية كالجوف ونهم وحرض والساحل الغربي لاعتبارات تتعلق بكون استعادة السيطرة على تعز سيسهم وإلى حد كبير في توفير خط إمدادات نوعي ومؤثر لقوات الجيش التي هي في هذه الجبهات وبخاصة الحديدة ومناطق الساحل الغربي، كما س يفتح الطريق بشكل أكثر مرونة للوصول إلى العاصمة صنعاء، وسيدعم تنفيذ خطة تطويق العاصمة والمحاصرة للانقلابيين لإجبارهم على الانسحاب من صنعاء وتسليمها لقوات الشرعية».

وبقدر ما بدت معركـــــة تعـــز مفصلية وهامة فـــي الحرب الدائرة بين الشرعية والانقلابيين، بدت أيضاً إشكالية، لجهة إتمامها مع ضرورة توافر مسبــــبات النصر، وقطع دابر تحويلها إلى منطقة صراع من نوع آخر بعد تطهيرها من مليشيات الانقلابيين.

خلال الأشهر الماضية مهدت الشرعية بإسناد من قوات التحالف وطيرانه لمثل هذا التقدم بعيداً عن أي معوقات، وبما يحقق تأمين المناطق المحررة من آثار ارتدادية للسيطرة على الأرض، ولهذا اتخذت الكثير من الخطوات في هذا الاتجاه.

واعتبر الأكاديمي العسكري اليمني العقيد نصر الدين أحمد السراجي في حديث لـ«الخليج»، أن الانتصارات التي حققها الجيش والمقاومة بتعز هامة للغاية كونها ستسرع في تحرير المحافظة التي لا تبعد عن العاصمة صنعاء سوى 256 كم، وهو ما سيعزز من قدرات قوات الشرعية على تحرير العاصمة، لافتاً إلى أن استعادة الجيش الوطني السيطرة على تعز سيمثل إنجازاً نوعياً سيؤثر بشكل فاعل في مسار العمليات العسكرية، حيث سيؤمن المناطق المحررة في الجنوب وخاصة عدن ولحج التي تحتضن أهم وأكبر قاعدة جوية عسكرية في منطقة «العند»، مضيفاً إلى أن ذلك سيعزز من قدرات الجيش على استكمال تحرير مناطق الساحل الغربي وبخاصة محافظة الحديدة، كون المناطق الغربية من تعز تطل على البحر الأحمر، كميناء المخا الذي يقع على منفذ بحري استراتيجي، و يعد حلقة وصل جغرافية بمحافظة الحديدة الساحلية التي تعد اهم منطقة على الساحل الغربي».

وكانت قوات الشرعية بمساندة قوات التحالف العربي استعدت مبكراً لعملية تحرير مدينة تعز، وهي العملية التي لطالما بشّر بها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ونائبه خالد بحاح ومسؤولون يمنيون وقيادة قوات التحالف، ومن الخطوات الأكثر فاعلية باتجاه تدريب الآلاف من المقاتلين من أبناء تعز وغيرها في قاعدة «العند» الجوية.

وجاء في سياق ذلك الاستعداد، تعيين العميد يوسف الشراجي قائداً لمحور تعز، وسبق تعيين الشراجي إعلان قيادة المقاومة الشعبية بتعز عن تشكيل مجلس موحد للمقاومة الشعبية في خطوة أولية لتحرير المدينة، وتغيير العمل العسكري لقيادة المعارك، بعد إشكالية تعدد الفصائل المقاومة.

وتضمن الإعلان تشكيل مجلس موحد «مجلس المقاومة الأعلى» ويضم المجلس العسكري والمجلس التنسيقي للمقاومة الشعبية بالمدينة واختيار الشيخ حمود سعيد المخلافي رئيساً للمجلس الأعلى للمقاومة الشعبية بمدينة تعز وصادق سرحان رئيساً لهيئة الأركان بالمجلس و«يوسف الشراجي» قائداً ميدانياً وقائداً للعمليات و«عادل عبده فارع» مسؤولاً مالياً للمجلس، كما تم اختيار منصور الحساني ناطقاً ومقرراً للمجلس. وتوج كل ذلك بقرار الرئيس هادي تعيين علي المعمري محافظاً لمدينة تعز في يناير الماضي.

ويمكن اعتبار أن اتخاذ كل الخطوات مثلت إيذاناً ومؤشراً جدياً على بدء العد التنازلي لعملية تحرير المدينة المحاصرة منذ سبتمبر/ أيلول من العام الماضي من قبل ميليشيات الحوثي وصالح. وكان لافتاً توالي البيانات المرحبة من قبل الأحزاب السياسية وعلى رأسها الاشتراكي الناصري وتجمع الإصلاح، حيث أصدر كل حزب بياناً منفرداً، ثم صدر في وقت لاحق بيان مشترك حمل توقيع أحزاب اللقاء المشترك في المحافظة، مما شكل حالة من التقارب بين فرقاء العمل السياسي بتوحدهم في الاصطفاف خلف المحافظ الجديد، يبدو أنها أسهمت في إزالة المخاوف وحلحلة التعقيدات التي شهدتها المحافظة، التي كانت من أحد أسباب تأخير الحسم العسكري.

وكان قرار تعيين محافظ جديد لتعز، جاء بعد لقاءات مكثفة عقدها الرئيس هادي في مقر إقامته في عدن، طوال الأسابيع الماضية، مع قيادات في المقاومة الشعبية والجيش الوطني، وأيضاً قيادات الأحزاب السياسية في المحافظة إلى جانب ناشطين وناشطات يمثلون فعاليات مختلفة، وكذلك لقاءات عسكرية مع قيادات قوات التحالف العربي. وحينها هدفت اللقاءات، إلى ترتيب الملف العسكري والإداري في المحافظة والبحث عن سبل إيصال المساعدات الإغاثية والطبية للمتضررين.

وفي خضم المواجهات المتفرقة بين قوات الشرعية والمليشيات في مدينة تعز بعدد من المناطق الريفية في محافظة تعز، كانت خطة تحرير تعز تمضي بعد الإعلان عن مجلس موحد للمقاومة الشعبية بمدينة تعز وتحركت قوة عسكرية كبرى من قوات الشرعية بمساندة قوات التحالف العربي باتجاه مدينة التربة ومنها التحرك نحو تحرير مديرية المسراخ بالكامل، وهو ما تم في 18 فبراير الماضي والاستعداد لفك الحصار عن مدينة تعز، مع تقدم تحققه قوات الشرعية والمقاومة في بعض مناطق متفرقة في المحافظة، أو على الأقل التصدي لهجمات الميليشيات.

ويرى الأكاديمي العسكري اليمني عبد الرزاق أحمد شمسان في تعليقه لـ«الخليج»، أن «تحرير تعز يمثل خسارة فادحة ومؤثرة للغاية في مخطط الانقلابيين الهادف إلى الحفاظ على الإنجازات التي تحققت على الأرض بالتوسع والتمدد القسري في محافظات شمالية عدة بعد فقدهم لسيطرتهم الطارئة على المحافظات الجنوبية التي تمددوا إليها وانحسار حضورهم العسكري في المحافظات الشرقية التي استعاد الجيش والمقاومة معظم أجزائها».

وأشار إلى «أن تحرير تعز سيفقد الانقلابيين امتيازات السيطرة على الطريق الساحلي الممتد من ميناء المخا إلى باب المندب، وهو ما سيسد كل المنافذ المتاحة لهم للحصول على السلاح المهرب عبر البحر من قبل إيران و«حزب الله» اللبناني، إلى جانب أنه سيمثل انطلاقة نوعية تضفي المزيد من الفاعلية على العمليات العسكرية الهادفة إلى تحرير مناطق الساحل الغربي وسيمثل أيضاً الاستحواذ على أقصر الطرق المؤدية إلى العاصمة صنعاء، منوهاً إلى أن استعادة الجيش والمقاومة السيطرة على محافظة الحديدة سيسهم في فرض حصار اقتصادي محكم على الانقلابيين بصنعاء كون الحديدة تمثل أحد الشرايين الرئيسية لتزويد العاصمة بالمواد الاستهلاكية».

يقول الأكاديمي اليمني في جامعة تعز عبد الله الذيفاني لـ«الخليج»، إن الانتصار في تعز يمثل انتصاراً لكل اليمن سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وهي المحافظة الأهم لأسباب عدة، منها أولاً الموقع الاستراتيجي الذي يتحكم بأهم ممر مائي وكونه الرابط بين المحافظات الشمالية والجنوبية وأيضاً المناطق الوسطى والمناطق الساحلية الغربية. وثانياً كونها المحافظة الوحيدة تقريباً التي حافظت على طابعها الوحدوي ورفضت الانقلاب وكونها الركيزة العلمية والثقافية للوطن إضافة إلى أنها تمثل أكثر من 15% من تعداد السكان في اليمن. وثالثاً كونها تمثل الركيزة الاقتصادية والمالية لليمن. وتعد تعز على مدار الحقبة السابقة مهد الحركات التحررية والنضالية، سواء إن كانت في الشمال أوالجنوب سابقاً أو بعد الوحدة، ولها أدوار تاريخية في تغيير الأنظمة وفي دور أبنائها الوطنية السياسية والاقتصادية والدعم الذي أسهمت به طوال الفترة السابقة ودورها في ثورة الشباب والتغيير في 2011 أكبر دليل ودور أبنائها في نجاح الثورة سواء في تعز أو بقية المحافظات التي يسكنها أبناء تعز وبكثافة ملحوظة.

وعلى نحو مغاير يرى المحلل والخبير العسكري والاستراتيجي مساعد الحريري في تعليقه لــ«الخليج»: «إذا كان الانتصار فيه من الصحة في محافظة تعز فهناك سيناريو يلوح في الأفق لترتيب وضع جديد للخروج من الأزمة، إضافة إلى الإنهاك الذي أصاب قوات صالح والحوثيين من ضربات التحالف والجيش الوطني والمقاومة الشعبيــة مـــع إطـــالــــــــة فترة الـــحرب، لكن نعود إلى فحـوى الســــيناريــــو المتضمن نتائـــج اللقاء السعودي الحوثي الأخير بوساطة قبلية كما زعم هو إيجاد مخرج للحوثيين للحفاظ على مكانتهم السياسية في مستقبل النظام القادم في اليمن، مقابل تسليم أسلحتهم للدولة والتخلي نهائياً عن الخيار العسكري، وتقديم ضمانات للسعودية بعدم الامتثال مرة ثانية لتنفيذ أجندة إيرانية من قبل الحوثيين على حدودها مع اليمن، وتتحمل السعودية نفقات إعادة إعمار ما خلفته الحرب في محافظة صعدة».

أما المحلل السياسي في تعز محمد عبد الله المعمري فهو يرى حسب حديثه لـ«الخليج»: أن الانتصار العسكري في تعز جاء في وقت متأخر للغاية، لكنه ترك أثراً إيجابياً للغاية، وقد كان هذا الانتصار من أولويات المقاومة الشعبية والجيش الوطني، لما له من إيجابيات في جوانب عدة، أولاً ترك هذا الانتصار آثاره الإيجابية من الناحية الإنسانية، حيث كانت مدينة تعز ترزح تحت حصار مطبق من كل الاتجاهات، فرضته مليشيات الإجرام الانقلابية لمعاقبة أبناء هذه المحافظة الثائرة».

وأضاف المعمري: «ثانياً من الناحية الأمنية فقد هاجر معظم سكان تعز المدينة ونزحوا إلى الأرياف بسبب الحصار من قبل الانقلابيين، وهروباً من القذائف والصواريخ التي تطلقها هذه الميليشيات في الليل والنهار على الأحياء السكنية المأهولة بالسكان وارتكاب مجازر فيها، فجاء هذا النصر العسكري وترك أثره الإيجابي في إعادة الحياة الطبيعية إلى المدينة وعودة السكـــان النازحين إلـــى مساكنهم والطلاب إلى مدارسهم»، وثالثاً تكمن إيجابيات النصر العسكري في تعز من الناحية العسكرية في إعطاء الجيش الوطني والمقاومة الشعبية معنويات مرتفعة وإصراراً على التقدم والعزيمة على مواصلة تطهير كل ربوع الوطن من هذه العصابات والمليشيات واجتثاثها لكي لا تبقى كابوساً يؤرق أمننا ووحدتنا وديننا الحنيف، وأيضاً خلق هذا الانتصار آثاراً سلبية لدى مليشيات الانقلاب فقد أصيبت هذه الجماعة بالذل والهوان وجر ذيل الهزيمة وإحباط العزائم لمناصريها ومقاتليها بل ومراجعة بعضهم حساباته والتخلي عن هذه العصابات، هذه بعض إيجابيات الانتصار العسكري في تعز في الجوانب الرئيسية والمهمة في حياة أبناء الشعب اليمني ولما له من إيجابيات في بقية المجالات الاجتماعية والتعليمية والصحية وغيرها».

يرى السياسي أحمد المقرمي في حديثه لـ«الخليج» أن «انتصارات المقاومة الشعبية والجيش الوطني في المحافظات الجنوبية، وكذا انتصارات المقاومة الشعبية والجيش الوطني في محافظات شمالية كمأرب والجوف، وبدعم سخي وفعال من دول التحالف العربي، أتت لتكسر مشروع الثنائي الانقلابي للحوثي وصالح، وعززت تعز كسر المشروع للانقلابيين بما حققته من انتصار كبير وتأتي أهمية ما أنجزته المقاومة الشعبية والجيش الوطني في تعز أنها عززت انتصار المحافظات التي تحررت من الانقلابيين، كما تصب في مصلحة سير معركة تحرير صنعاء، لما ستمثله تعز من عمق شعبي وسياسي وحتى عسكري لصنعاء وبقية المحافظات، فيما ستتضاعف هزيمة الانقلابيين العسكرية والسياسية بخسارتهم معركة تعز».

وأشار المقرمي إلى أن هذه الانتصارات التي تحققت هنا وهناك بإنزال الهزيمة بالانقلابيين فإنها أيضاً تسقط مشروعهم سياسياً وعسكرياً، والأهم من ذلك إسقاطه ثقافياً، حيث وقف الشعب اليمني بتحد وإصرار في وجه مشروع الحوثي.

وما حققته المقاومة يعد نصراً للحكومة ودعماً سياسياً لها، كما هو في الوقت نفسه يسهم في رفع معنويات المقاومة الشعبية في كل المحافظات».

(الخليج)