كتابات وآراء


12 يوليه, 2015 02:54:00 ص

كُتب بواسطة : فراس اليافعي - ارشيف الكاتب


"ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺍﻟﺴﻌﻴﺪ ﻳﺌﻦ ﻣﻦ ﺁﻻﻣﻪ، ﻭﻟﻘﺪﺍﺳﺘُﺒﺪﻟﺖ ﺍﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻪ ﺑﺪﻣﻮﻉ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺘﻠﻰ ﻭﺃﻟﻢ ﻋﻠﻰ ﺿﺤﺎﻳﺎﻩ، ﻓﺘﻨﺔ ﺗﻜﺎﺩ ﺗﻘﻮﺩ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺇﻟﻰ ﺣﺮﺏﺃﻫﻠﻴﺔ"، هكذا قال فقيد الدبلوماسية العالمية، الأمير سعود الفيصل، رحمه الله تعالى،في آخر خطاب له بمجلس الشورى السعودي، واصفا الحالة التي نعيشها حاليا وقد وصلنا إلىما هو أبعد من ذلك.

لم يُأل الراحل وزيرالخارجية السعودية السابق جهدا في إدارة ملف الأزمة اليمنية المعقدة للغاية إلى حينوافاه الأجل، باحثا عن الحلول السلمية لإخراج البلد الجار من محنته بعد أن استأثر المتمردينالحوثيين ومن خلفهم صالح باليمن، وهو ما يزال يردد أن ‏"ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺇﺫ ﺗﺆﻛﺪﻣﺠﺪﺩﺍ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﺎ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻷﻱ ﺩﻭﻟﺔ ، ﻭﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺠﻮﺍﺭ".

وكان الأمير سعود،يرى أن حلّ الأزمة اليمنية "ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ أليه ﺍﻻ ﺑﺎﻻﻧﺼﻴﺎﻉ ﻟﻼﺟﻤﺎﻉ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺑﺮﻓﺾﺍﻻﻧﻘﻼﺏ ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻪ ، ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻻﻧﺴﺤﺎﺏ ﺍﻟﺤﻮﺛﻲ ﺍﻟﻤﺴﻠﺢ ﻣﻦ ﻛﺎﻓﺔ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔﻭﺗﻤﻜﻴﻦ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻤﻬﺎﻣﻬﺎ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ". هكذا لخص أمير دبلوماسيةالعالم، في أواخر مارس الماضي، حلّ المعضلة اليمنية المعقدّة للغاية، باعتباره أحدسياسيي العالم المحنكين جدا.

ولعب الفيصل دورامحوريا هاما في في استصدار قرار بالإجماع من مجلس الأمن الدولي المتعلق بضرورة التزامجميع الأطراف اليمنية بحل خلافاتها من خلال الحوار والتشاور، واتخاذ تدابير فورية لمنعالشخصيات الخمس من تلقي أي دعم عسكري خارجي، إلى جانب إدراج زعيم المتمردين الحوثيينونجل المخلوع صالح ضمن قائمة العقوبات.

خلال أكثر من 40عاما في منصبه كوزير للخارجية السعودية كأقدم وزراء العالم، رسم الأمير الراحل الخارطةالسياسية للمملكة العربية السعودية، من خلال إدارته أعداد كبيرة من الملفات الشائكة،كان أبرزها اتفاق الطائف بين الأطراف اللبنانية المتنازعة، وحشد المواقف الدولية ضدالغزو العراقي للكويت مسهما في تحريرها، ودوره البارز في إطلاق بلاده لمبادرة السلامبين إسرائيل وفلسطين، وتنبؤه الثاقب بأن الغزو الأمريكي للعراق سيؤدي إلى تدمير متكاملللأخير، ومطالبة بلاده برحيل نظام بشار الأسد، ودعوته مجلس التعاون الخليجي إلى الانتقالمن صيغته الحالية إلى صيغة الاتحاد، إلى جانب موقف بلاده تجاه الأزمة اليمنية الراهنة،وبين كل ذلك تخللت العديد من المواقف السياسية كان أبرزها دعمه اللا متناهي تجاه القضيةالفلسطينية.

عُرف عن أمير دبلوماسيةالعالم، رحمه الله، مواقفه الصريحة والواضحة بشأن أي من قضايا العالم دون مواربة، وحنكتهالسياسية وذكاءه الشديد، ودقته البالغة في التفاصيل، وتعامله الحازم مع الوقت، إضافةإلى اتقانه سبع لغات.

على مدى سنوات ماضية،لم تقف معاناته مع آلام ظهره ورقبته ومضاعفات مرضه حائلا دون مواصلة جهوده الدبلوماسيةالمتفانية حتى إلى قبيل وفاته بأشهر، بعد أن طلب إعفائه من منصبه كوزير للخارجية دأبعلى خدمة وطنه في عهد أربعة ملوك متعاقبين، قبل أن يتوفاه الأجل الخميس المنصرم.

تغمده الله بواسعرحمته، وألهم أهله وذويه ووطنه ومحبيه الصبر والسلوان..