إجتمــاعيــات

17 نوفمبر, 2018 11:58:11 ص



إقليم عدن _ بقلم / القاضي فهيم عبد الله الحضرمي:

عليك تحيةُ الرحمن تترى برحماتٍ الله عليك ..في يوم وفاتك  أيها الحبيب ومنذ أن نزل علي الخبر كالصاعقه وهو أمر الله لأمر لقضائه  لا تنقطع فيهما المحاولة للكتابة عنك أبا محمد ، فوَفاء الصحبة وحده يلزمني أن أكتب عنك دعك عن الزمالة في ايام الدراسة او القضاء .. فرغم دأب المحاولة إلا أنى قد تأخرت، إذ أنني عوَّارٌ خوّار كشجرة العلب!! خواري أرجفَ مني القلم وشرَّد الكلمات وما كان حالهما يوماً علي إرتجافٍ أو هروب..

بأي كلمات أرثيك؟ وبأي دمع أبكيك..؟ وبأي لغة أكتب عنك؟

الكلمات ياقاضينا تتلعثم ، وتُصيبها الرعشة، والرعدة، والوجل..

الدمع يسيل ناراً في محاجري.. النار تشب في جوانحي .. العبرات تختلج في صدري .. والقلب يتواثب كطائر متوجس مذعور..

الحزن يا أبا محمد  يعقد لساني، ويعجم بياني، فالفاجعة أكبر من اللغة، أكبر من الدمع الذي في نفسي من الأسى ، شهدتُ مقاماً ما كنت له على إستعداد..فالمقام مقام إيمانٍ وإيقان بحقيقة الموت، ولي أن أستغفر سحراً من إيمان ٍ أصابه الدخلُ فلا يوقن حقاً بأن الموت قد يتصيدك حقيقةً..أبا محمد عذراً إن لم أوفيك حقاً أنت تستحقه ..فمصيبتُنا فيك أكبر من أن توفيه كلماتٌ عابرات، بل هو أجلُّ من أن توفيه سواجمُ الدمع.. فعذراً إن جافانا في هذا الأمر نهودٌ وبَدار، إلا أنه لا مناصَ لمِيفاء مثلي يأخذ الحقَّ ويعطيه، إلا أن ينهض بواجبٍ يثبتُ وجوبه بدليلٍ فيه شبهة العدم، مثابٌ فاعلُه ومعاقبٌ تاركه مذمومٌ بتركه..

من منا لا يعرف القاضي جمال محمد عمر شديد الصبر، واسع الحلم، المحب للخير، طلق المحيا، الذي لا يرى إلا بشاشاًمبتسماً حتى في أصعب الظروف، والمواقف، ياابا محمد يا من إتخذت من الأخلاق منهلا ... !!! وينبوعا صافيا , تنهل منه أعذب المعاملة وكنت انظر إليك بإعجاب حين كنت ترفض ان ترد الناس خائبين... وحسن الخلق كانت من سماتك ....أيها العاشق للقضاء  بكائي عليك بكاءٌ على قاضٍ أتخذ القضاء بالحق طريقاً إلي جنةٍ عرضُها السموات والأرض.. قضاءً حرصتَ على إستقلاله، لم تطق الدنيا بعد أن رحلت عنا  لقد تأزَّرت السماحةَ فكانت علاقتُك بالناس والأشياء حميمةً، بل إحتِزتَ على تقانةِ وهندسةِ العلاقات الإجتماعية ظليلةً وارفة.. كنت نهماً ببناء جسورِ الوِداد إستوى عندك من أخترتهم إذ كنت تنفذ إلي دواخلهم فيستوى عندك كل الناس بنظرة واحده لا تفرق بين ساعي مكتبك وسائقُ المحكمة مع قضاة المحكمة العليا والوزراء وأساتذةِ الجامعات والسفراء، فقد كنتَ سعيداً وأنت تأكل مع القاضي الكبير وتداعبه بلغة الاحترام وأنت تمازح سائقك  أو حاجب المحكمة .. لقد كنت ترى جوهر الإنسان فيمن صادقتَ وعرفتَ رغماً عن إختلاف مشاربهم يالها من سماحةٍ لم تخفِ صرامتك، وتواضعٍ لم يسقط بك من ترفُّعٍ محمود، وكأني بك تجمع ما بين الشئ ونقيضه في إنسجامٍ ونسقٍ فريد ، ومن يراك تحادثُ البسطاء، تجالسهم وتؤاكلهم قد ينكر عليك ترفعك وإستعلاءك على من علا وتكبَّر!! إستعلاؤك ذاك الحميدُ فهو ليس بإستعلاءِ ترفُّع عن خَلق الله بل هو فرادةُ فريدٍ مائزِ الأخلاق وهو سياجٌ وتأطيرٌ لمهنةٍ القضاء التي تستدعي ترفُّعاً، وهو سـَمتٌ شخصيٌ لأنسانٍ لا يرضى ذُلاً، وسلوكٌ حياتيٌّ تعالج به أطباعَ الخَلق حين تخرجُ عن الأُطر التي تريدُها  .. وأما إحسانك يا عزيزي فيقودُني إلي حديثٍ عن خيرك في أهلك وذويك.. فقد كنتَ للرحم واصلاً وأنت تردد ’’ من سرَّه أن يُبسط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه‘‘ انطلاقا من سماحة شريعتناالاسلاميه .. وكنت رحيماً بهم، تمدُّ عونك لضعيفهم فكنت تحمل هم  عدن واهلها لم تقصر معهم ، ومع كل ذلك طلقت الدنيا ثلاثاً وعزمت على الرحيل بصمت كعادتك . 

 أعزي من القلب أسرتك وزوجتك الفاضله زميلتنا ام محمد ، فحزننا والله لكبير على رحيلك ، حيث كنت نعم الاخ عفيف النفس واللسان وصاحب الوقار الآسر ، كنت محترماً عند الناس وربّيت أسرة على مستويً عالياً من الرقي ، وإن غادرت اليوم إلى دار الخلود وهي إرادة الله ومشيئته المحتومة لكل نفس لتلاقيه فإن الفراغ سيظل حقيقة ملموسة من خلفه لا يسعه شيء ولكن يبقي العزاء لاهلك  وذويهم واحبائك وقد تركت زوجة ناضجة صالحة ومسؤلة وذرية قد تربت على مكارم الأخلاق والسلوك الحسن ،إن الله سبحانه صاحب الجود والكرم سيتولاهم ونحن الى جانبهم باذن الله و ستسير قافلتها لإكمال ما يمكن إكماله لتلك الرحلة التي ترجٌلت  اليها عنهم في إحدي محطاتها ( الفانية بدورها) مودعاً إلي غير رجعة ومستودعاً الله الذي لا تضيع ودائعه أبنا وبناتاً لا يزالون في بداية الحياة كنت تنتظر أن ترى عطائهم لوطن نذرت نفسك له،  اللهم أغفر لأخي وصديقي وارحمه واجعل قبره روضة من رياض الجنة ، اللهم أجعل من مرضه وصبره وصبر أهله درجات تعلو به في أعلى جنان الفردوس ، اللهم أجعل البركة في ذريته وانزل عليهم رحمتك والسكينة والسلوان وأختم عليهم بخاتمة سعادة الدارين وعمر مديد كله نجاحات وتوفيق في كل الأمور ، اللهم لا تفتنا بعده ولا تحرمنا أجره ، إنا لله وإنا إليه راجعون .. عزائي لجميع أهله وأقاربه خاصة زوجته وابنائه الذين تربطني بهم علاقة طيبه  .

لن أنساك ولن أنسى الأيام الجميلة الرائعة التي عشناها سوياً يا قاضينا الجليل .. سأبقى محتفظاً بذكراك وبعهدك .. وأسال الله أن يلحقك بالصديقين والشهداء صادقا غير مدبر .

وأسال الله أن يتقبلك في عداد الشهداء يا أبا محمد وأن يسكنك الفردوس الأعلى ..!!

رحمك الله يا صديقي العزيز  وغفر الله لك وأسكنك فسيح جناته ..

إن العين تدمع والقلب يحزن وإنا على فراقك لمحزونون ..

و لا نقول إلا ما يرضى الله.. لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى..

وإنا لله وإنا إليه راجعون..

وداعا..... ياقاضينا الجليل  ..!!